قصة النملة مع سيدنا سليمان عليه السلام عن الرزق
ذكروا أن سيدنا سليمان علية السلام كان جالساً على شاطيء بحر , فبصر بنملة تحمل حبة قمح...تذهب بها نحو البحر , فجعل سليمان ينظر إليها حتى بلغت الماء فإذا بضفدعةقد أخرجت رأسها من الماء ففتحت فاها , فدخلت النملة وغاصت الضفدعة فيالبحر ساعة طويلة وسليمان يتفكر في ذلك متعجباً. ثم أنها خرجت من الماءوفتحت فاها فخرجت النملة ولم يكن معها الحبة. فدعاها سليمان عليه السلاموسألها وشأنها وأين كانت ؟ فقالت : يا نبي الله إن في قعر البحر الذي تراهصخرة مجوفة وفي جوفها دودة عمياء وقد خلقها الله تعالى هنالك , فلا تقدرأنتخرج منها لطلب معاشها , وقد وكلني الله برزقها فأنا أحمل رزقها وسخراللهتعالى هذه الضفدعة لتحملني فلا يضرني الماء في فيها , وتضع فاها على ثقبالصخرة وأدخلها , ثم إذا أوصلت رزقها إليها وخرجت من ثقب الصخرة إلىفيها فتخرجني من البحر. فقال سليمان عليه السلام : وهل سمعت لها منتسبيحة ؟قالت نعم ,إنها تقول: (يا من لا تنساني في جوف هذه الصخرة تحت هذه اللجة، برزقك، لا تنس عبادك المؤمنين برحمتك).إن من لا ينسى دودة عمياء في جوف صخرة صمّاء، تحت مياه ظلماء، كيف ينسى الإنسان؟فعلى الإنسان أن لا يتكاسل عن طلب رزقه أو يتذمر من تأخر وصوله فالله الذي خلق الانسانأدرى بما هو أصلح لحاله وكفيل بأن يرزقه من عنده سبحانه,,
60 قصة عن عدل سيدنا عمر بن الخطاب رضى اللة عنة
مجموعة قصص من حياة الصحابى الجليل عمرو بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه قصة جميلة تبين عدل وحكمة وصفاء ونقاء عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه إخوانى فى الله سوف أبدأ معكم اليوم فى كتابة مختصر لصفات عمر بن الخطاب رضى الله عنه وبعض من فضائله وأسرد لكم أول قصة بإذن المولى جل وعلا
أولا : التعريف بعمر بن الخطاب
عمر بن الخطاب هو : أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب بن لؤى بن غالب القرشى العدوى أمير المؤمنين , وثانى الخلفاء الراشدين , صاحب الكرامات , وقائد الفتوحات , أعز الله به الإسلام , ورفع به عن المؤمنين الآلام , وضرب السياط والحسام , فرق الله به بين الحق والباطل , وله السبق فى الأوائل , وافق رأيه القرآن , وانتشر على يده الدين والإيمان , ويخشاه الشيطان , رجل الشدائد , وقاضى الحوائج , صاحب الوقار والهيبة , وسراج أهل الجنة , الشديد فى لين , المسامح دون تقصير , سريع الدمعة , بهى الطلعة , خادم العجائز , وعون العائز , الإمام العادل , والخليفة الفاضل , شهد الوقائع , وللدين حصن دافع , أول من صلى عند الحرم علنا , وهاجر جهرا , له لسان صدق , وعرف بالحق , لايخشى فى الله لومة لائم , ولحدود الله قائم , يلتقى نسبه مع نسب النبى صلى الله عليه وسلم فى كعب بن لؤى بن غالب , ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة , وأسلم قبل الهجرة بخمس سنوات .
ثانيا : بعض فضائله
قال النبى صلى الله عليه وسلم :" إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ".
وقال النبى صلى الله عليه وسلم :" لو كان نبيا بعدى لكان عمر ".
وقال النبى صلى الله عليه وسلم :" كان فيمن قبلكم محدثون , وإن يكن فى أمتى لكان عمر ".
وقال النبى صلى الله عليه وسلم :" إنى لأنظر إلى شياطين الإنس والجن قد فروا من عمر ".
القصة الأولى
المرأة التى سمع الله حديثها
كانت تتلمس الطريق بعصا فى يدها , قوست الأيام ظهرها , وأثقلت كاهلها , استوقفت عمر بن الخطاب رضى عنه الذى كان يتوسط القوم , ومالت به إلى جانب الطريق .
دنا عمر رضى الله عنه ووضع يده على منكبيها , وأرهف إليها السمع , وظل طويلا يصغى إلى صوتها الضعيف الذى سرى متباطئا إلى أذنه , ولم ينصرف حتى قضى لها حاجتها .
وعندما ذهب عمر رضى الله عنه إلى القوم الذين طال وقوفهم , قال رجل : يا أمير المؤمنين حبست رجالات قريش على هذه العجوز ؟!
قال عمر رضى الله عنه : ويحك ! أتدرى من هذه ؟!
قال الرجل : لا
قال عمر رضى الله عنه : هذه إمرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات !! هذه خولة بنت ثعلبة , والله لو لم تنصرف عنى إلى الليل ما إنصرفت حتى تقضى حاجتها
السيرة العطرة سيرة هذا الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضى الله عنه الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ( والله ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك } أي: ما تسلك من طريقاً إلا ويسلك الشيطان من الطريق الآخر؛ لأنه صادق مخلص، وهو قوي الشخصية إلى درجة من الهيبة ما يستطاع أن يُتكلم معه، ملوك العرب إذا أتوا إلى عمر وأراد الواحد منهم أن يتكلم خلط بين الكلام، ولا يستطيع أن يتكلم.
هذا عمر رضي الله عنه وقف على راسه رسول كسرى وقال (عدلت فأمنت فنمت ياعمر )
وكان عبدالله بن مسعود يقول : ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر بن الخطاب ، فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة ، وصلينا معه . حيث انه كان جبارآ غليظآ.
عن عبدالله بن عامر بن ربيعة ، عن أمه ليلى قالت : كان عمر بن الخطاب من أشد الناس علينا في إسلامنا ، فلما تهيأنا للخروج إلى أرض الحبشة ، فأتى عمر بن الخطاب وأنا على بعيري وأنا أريد أن أتوجه فقال أين يا أم عبدالله ؟ فقلت : آذيتمونا في ديننا فنذهب في أرض الله حيث لا نؤذى ، فقال : صحبكم الله ثم ذهب فجاء زوجي عامر بن ربيعة فأخبرته بما رأيت من رقة عمر ، فقال : ترجين أن يسلم والله لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب . رواه الطبراني
والله يااخواني لو اردنا ان نستعرض حياة عمر الفاروق رضى الله عنه للزمنا ايام وشهور اللهم ارضى عن عمر وابى بكر وعثمان وعلى وعن الصحابه اجمعين ومن تبع خطاهم اجمعين
________________________________________
القصة الثانية
العجوزة الشاعرة
فى كوخ صغير يقع أقصى المدينة لاح ضوء مصباح يحاول إختراق الظلام فى ضعف .
إقترب عمر بن الخطاب رضى الله عنه من الكوخ , فإذا بعجوز تجلس فى ثوب أسود تائهة فى العتمة التى لم يستطع المصباح هتكها , تردد فى شجا :
على محمد صلاة الأبرار = صلى عليك المصطفون الأخيار
قد كنت قواما بكى الأسحار = ياليت شعرى والمنايا أطوار
هل تجمعنى وحبيبى الدار
أهاجت هذه الكلمات الماضى الهاجع فى فؤاد عمر بن الخطاب رضى الله عنه وتذكر الأيام الخوالى , فبكى وسحت دموعه هادرة , وقرع الباب عليها .
فقالت : من هذا ؟
قال وهو يغالبه البكاء : عمر بن الخطاب .
قالت : ومالى ولعمر ؟ ومايأتى بعمر هذه الساعة ؟
قال : افتحى - رحمك الله - فلا بأس عليك , ففتحت له فدخل .
فقال : رددى على الكلمات التى قلت آنفا , فرددت عليه , فلما فرغت منها , قال : أسألك أن تدخلينى معكما .
قالت : وعمر فاغفر له ياغفار .
فرضى ورجع .
________________________________________
القصة الثالثة
الصبى الجائع
اهتزت المدينة , وعجت الطرقات بالوافدين من التجار الذين نزلوا المصلى , وامتلأ المكان بالأصوات .
فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهما : هل لك أن نحرسهم الليلة من السرقة ؟!
فباتا يحرسان ويصليان ماكتبا الله لهما , فسمع عمر بن الخطاب رضى الله عنه صوت صبى يبكى , فتوجه ناحية الصوت , فقال لأمه التى تحاول إسكاته : اتقى الله واحسنى إلى صبيك .
ثم عاد إلى مكانه فارتفع صراخ الصبى مرة أخرى , فعاد إلى أمه وقال لها مثل ذلك , ثم عاد إلى مكانه , فلما كان فى أخر الليل سمع بكائه , فأتى أمه فقال عمر رضى الله عنه فى ضيق : ويحك إنى أراك أم سوء , ومالى أرى إبنك لايقر منذ الليلة ؟!
قالت الأم فى حزن وفاقة : ياعبد الله قد ضايقتنى هذه الليلة إنى أدربه على الفطام , فيأبى .
قال عمر رضى الله عنه فى دهشه : ولم ؟
قالت الأم فى ضعف : لأن عمر لايفرض إلا للفطيم .
ارتعدت فرائص عمر رضى الله عنه خوفا , وقال فى صوت متعثر : وكم له ؟
قالت : كذا وكذا شهرا .
قال عمر رضى الله عنه : ويحك لاتعجليه .
ثم إنصرف فصلى الفجر ومايستبين الناس قراءته من غلبة البكاء , فلما سلم قال : يابؤسا لعمر ! كم قتل من أولاد المسلمين ؟!
ثم أمر لكل مولود فى الإسلام , وكتب بذلك فى الأفاق .
القصة الرابعة
العجوز العمياء
فى بيت صغير بأطراف المدينة , عاشت إمرأة عجوز عمياء ليس لها من حطام الدنيا إلا شاة , ودلو , وحصير من الخوص أكل الزمان أطرافها , وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يتعاهد هذه المرأة من الليل , فيستسقى لها ويصلح حالها , وظل على ذلك فترة .
وذات يوم جاء عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى البيت , فوجد كل شئ مرتبا ومعدا , فعلم أن غيره سبقه إليها فأصلح ماأرادت , فجاءها غير مرة وكل مرة يجد أن غيره سبقه إلى البيت فنظفه , وأصلحه .
فاختبأ عمر رضى الله عنه فى ناحية قريبا من البيت ليعرف من هذا الذى يسبقه , ظل قابعا مده , وفجأة رأى رجلا يقترب من البيت فطرق الباب , ثم دخل ... إنه أبو بكر الصديق رضى الله عنه وهو يومئذ خليفة المسلمين .
خرج عمر رضى الله عنه من مكمنه وقد إستبان له الأمر يحدث نفسه إعجابا بالصديق رضى الله عنه : أنت لعمرى ... أنت لعمرى .
القصة الخامسة
أعرابى يطوف بأمه
إرتفعت أصوات الطائفين فى الأجواء , يعطرون البيت بالتكبير والتهليل , إختلطت نبراتهم الضارعة بدموعهم الهادرة , واندفع خلف هؤلاء الهائمين فى حب الله أعرابى مديد القامة , عريض المنكبين , مفتول العضلات , ريان الشباب , يحمل فوق كاهله أمه العجوز التى تربعت فى معول ( مقطف ) كبير وهو يردد قائلا :
أنا مطيتها لا أنفر = وغذا الركاب ذعرت لا أذعر
وما حملتنى وأرضعتنى أكثر = لبيك اللهم لبيك ... ...
فقال على بن أبى طالب الذى وقف فى جانب البيت الحرام مع عمر بن الخطاب رضى الله عنهما يراقبان الطائفين : يا أبا حفص ادخل بنا الطواف لعل الرحمة تنزل فتعمنا .
فانطلقا يطوفان خلف الأعرابى , وعلى بن أبى طالب رضى الله عنه يرد عليه قائلا :
إن تبرها فالله أشكر = يجزيك بالقليل الأكثر
القصة السادسة
شاب يتحدث من قبره
كان بالمدينة شاب , غض الإهاب , أرهفه الزهد , يلازم المسجد ليسمع الحديث غضا طريا من أفواه الصحابة رضوان الله عليهم , أعجب به عمر بن الخطاب رضى الله عنه .
وكان له أب شيخ كبير , فإذا صلى العشاء انصرف إليه , وكان طريقه على باب امرأة , افتتنت به , فمر بها ذات يوم , فمازالت تغويه حتى تبعها , فلما هم أن يدخل البيت خلفها , تذكر قول الحق سبحانه وتعالى :" إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون " فخر مغشيا عليه , فحمل إلى أبيه .
ظل الشاب مغشيا عليه حتى ذهب ثلث الليل , ولما فاق سأله أبوه عما حدث فأخبره .
فقال له أبوه : يا بنى وأى آيه قرأت ؟
فقرأ الشاب الأيه فخر مغشيا عليه , وعندما إجتمع أهله وجيرانه يحركونه وجدوه ميتا , فغسلوه وكفنوه ودفنوه ليلا .
وفى الصباح رفع الأمر إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه , فجاء إلى أبيه فعزاه ثم أتى قبر الشاب , وصاح قائلا :
يافلان :" ولمن خاف مقام ربه جنتان ".
فأجابه صوت الفتى من القبر : ياعمر قد أعطانيها ربى فى الجنة مرتين.
القصة السابعة
اليوم أسبق أبا بكر
وقف النبى عليه الصلاة والسلام خطيبا يحث الصحابة ( رضوان الله عليهم ) على الإنفاق والصدقة , وكان من بين هؤلاء الصحابة عمر بن الخطاب رضى الله عنه الذى انشرح صدره وتهلل وجهه , لأنه وافق مالا عنده .
فقال عمر رضى الله عنه : اليوم أسبق أبا بكر رضى الله عنه .
فقام مسرعا يسبق الريح , ثم عاد وقد تعلقت بيده صرة كبيرة من المال وضعها بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم
نظر النبى إلى هذه الصرة الكبيرة ثم استقبله بنظره قائلا : ماأبقيت لأهلك ؟
قال عمر رضى الله عنه : أبقيت لهم مثله .
ثم انصرف عمر رضى الله عنه إلى جوار النبى صلى الله عليه وسلم , وما هى إلا هنيهه إلا دخل أبو بكر رضى الله عنه المسجد حاملا صرة أكبر وأعظم من التى جاء بها عمر رضى الله عنه , فوضعها بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم .
تبسم النبى صلى الله عليه وسلم قائلا : ماأبقيت لأهلك ؟!
أجابه بكلمات خاشعة : أبقيت لهم الله ورسوله .
حرك عمر رضى الله عنه رأسة إعجابا بالصديق قائلا : لاأسبقك إلى شئ أبدا يا أبا بكر .
القصة الثامنة
لن أبرئ بعدك أحدا
دخل عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه على أم المؤمنين أم سلمة رضى الله عنها , وكان ذا مال كثير , فقالت رضى الله عنها كأنها تحضه على الإنفاق :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن من أصحابى من لايرانى بعد أن أموت أبدا .
ارتعدت فرائص عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه , وانحشرت الكلمات بين أوتار حنجرته , ونهض من عندها مذعورا حتى دخل على عمر بن الخطاب رضى الله عنه .
فقال عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه : اسمع ماتقول أمك .. وأخبره بما قالت ...
أوجس عمر خيفة , وأحس الأرض تميد به , فقام مسرعا حتى أتى أم المؤمنين أم سلمة رضى الله عنها .
فقال وهو جاث : أنشدك بالله أمنهم أنا ؟!!!!!!!!
قال أم سلمة رضى الله عنها : لا ولن أبرئ بعدك أحدا .
القصة التاسعة
المرأة المجذومة
مضت أسراب الناس يطوفون بالبيت الحرام , تختلط دموعهم بصيحات التكبير والتهليل , ووسط هذا الزحام , أبصر عمر رضى الله عنه إمرأة مجذومة تطوف .
فقال عمر رضى الله عنه : ياأمة الله لاتؤذى الناس , لو جلست ببيتك .
إستجابت المرأة لصوت أمير المؤمنين , ومكثت فى بيتها لاتبرحه حتى مات عمر بن الخطاب رضى الله عنه , فمر بها رجل بعد ذلك , فقال لها : إن الذى كان قد نهاك قد مات فاخرجى .
قالت : ماكنت لأطيعه حيا وأعصيه ميتا .
فظلت فى بيتها حتى ماتت .
القصة العاشرة
غيرة عمر رضى الله عنه
فى تواضع العظماء جلس النبى صلى الله عليه وسلم , تنساب من شفتيه همهمات التسبيح , وينبعث من صدره دوى الحديث رهوا , وحوله هالة من أصحابه .
فقال صلى الله عليه وسلم : بينما أنا نائم رأيتنى فى الجنة , فإذا بإمرأة تتوضأ إلى جانب قصر .
فقلت : لمن هذا القصر ؟!
فقيل : لعمر .
فقال صلى الله عليه وسلم : فذكرت غيرته فوليت مدبرا .
فبكى عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه وهو يقول : أعليك أغار يارسول الله ؟!
القصة الحادية عشر
عمر رضى الله عنه يعالج إبل الصدقة
فى يوم صائف , اشتدت فيه وطأة الحر , ونفذ لهيب الشمس يصب سعيره على الرمال , قدم وفد من العراق , يتقدمهم الأحنف بن قيس رضى الله عنه يطلبون أمير المؤمنين , فوجدوه قد طرح عمامته , وطوق وسطه بعباءته يطبب بعيرا من إبل الصدقة .
ولما رأى الأحنف قال : ياأحنف ضع ثيابك , وهلم فأعن أمير المؤمنين على هذا البعير , فيه حق لليتيم والمسكين والأرملة .
فقال رجل من القوم أذهلهم الموقف : يغفر الله لك ياأمير المؤمنين , فهلا تأمر عبدا من عبيد الصدقة فيكفيك هذا ؟
فقال عمر رضى الله عنه فى تواضع : وأى عبد هو أعبد منى , ومن الأحنف ؟! إنه من ولى أمر المسلمين فهو عبد المسلمين يجب عليه لهم مثل مايجب على العبد لسيده من النصيحة وأداء الأمانة .
القصة الثانية عشر
إحملنى معك ياغلام
تحت وهج الشمس الحارقة , اندفع عمر رضى الله عنه خارج المدينة , واضعا رداءه على رأسه , فمر به غلام على حمار . فقال : ياغلام إحملنى معك .
توقف الغلام عن السير , ووثب عن الحمار , وقال فى إنكسار :
اركب ياأمير المؤمنين .
قال : لا إركب أنت وأركب أنا خلفك , تريد أن تحملنى على المكان المنخفض وتركب أنت على المكان الخشن .
وبعد إلحاح من الغلام على ركوب أمير المؤمنين أولا , وهو خلفه , وإصرار أمير المؤمنين أن يركب الغلام أولا , وأمير المؤمنين خلفه , إستجاب الغلام لرأى أمير المؤمنين .
ودخل المدينة راكبا خلف الغلام , والناس ينظرون إليه .
القصة الثالثة عشر
عمر رضى الله عنه يؤدب ولده
دخل ابن لعمر رضى الله عنه عليه وقد ترجل ولبس ثيابا حسانا , فضربه عمر بالدرة حتى أبكاه , فقالت له حفصة رضى الله عنها : لم ضربته ؟ قال عمر رضى الله عنه : رأيته قد أعجبته نفسه فأحببت أن أصغرها إليه .
القصة الرابعة عشر
عمر رضى الله عنه يحمل قربة الماء
نفض عمر رضى الله عنه غبار النوم عن كاهله , وراح يتفقد الرعية , فإذا بإمرأة تحمل على ظهرها قربة , تخترق الظلام بأقدام حافية .
سألها عمر رضى الله عنه عن شأنها : فأخبرته أنها صاحبة عيال وليس عندها خادم , فتخرج بالليل تسقيهم الماء , وتكره أن تخرج بالنهار خوفا عليهم .
فرق عمر رضى الله عنه لحالها , وحمل عنها القربة حتى بلغ منزلها .
ثم قال : اغدى على عمر غدوة يأمر لك بخادم .
فقالت : لاأصل إليه .
قال : إنك ستجدينه إن شاء الله .
فغدت عليه فإذا هى به , فعرفته , فولت هاربة , فأمر لها بخادم , ونفقه , وأرسلهما فى إثرها .
القصة الخامسة عشر
لاسمع لك ولا طاعة
بعث إلى أمير المؤمنين أثواب كثيرة جديدة , فقسمها بين الناس فأصاب كل رجل ثوب , ثم صعد المنبر وعليه حله ، والحلة ثوبان .
فقال : أيها الناس اسمعوا .
فقال سلمان رضى الله عنه : لاسمع لك ولاطاعة .
فقال عمر رضى الله عنه فى غرابة : ولم ياأبا عبد الله ؟
قال : إنك قسمت علينا ثوبا وأعطيت لنفسك ثوبان .
قال عمر رضى الله عنه : لاتعجل ياأبا عبد الله .
ثم صاح : ياعبد الله بن عمر .
قال ابن عمر رضى الله عنهما : لبيك ياأمير المؤمنين .
فقال : نشدتك الله الثوب الذى ائتزرت به أهو ثوبك ؟
قال : اللهم نعم .
فقال سلمان رضى الله عنه : الأن نسمع ونطيع .
القصة السادسة عشر
أطعام بعد طعام ؟
تناقلت الأفواه أن يزيد بن أبى سفيان رضى الله عنهما يأكل ألوان الطعام , وسرى النبأ أنحاء يثرب حتى بلغ أمير المؤمنين رضى الله عنه .
فقال لمولى له اسمه يرفأ : إذا علمت أنه قد حضر عشاؤه فأعلمنى .
فلما حضر عشاؤه أعلمه , فأتى عمر يزيد بن أبى سفيان رضى الله عنهما , فسلم عليه واستأذن , فأذن له , فدخل , فقرب عشاؤه , فجاء بثريد ولحم فأكل عمر رضى الله عنه معه , ثم قرب شواء فبسط يزيد يده وكف عمر رضى الله عنه .
ثم قال عمر رضى الله عنه معاتبا : الله يايزيد بن أبى سفيان !!
أطعام بعد طعام ؟ والذى نفس عمر بيده لئن خالفتم عن سنتهم ليخالفن بكم عن طريقهم .
القصة السابعة عشر
المرأة وزوجها الغائب
عند السحر , مضى عمر بن الخطاب رضى الله عنه يسيح فى دروب المدينة , يتحسس الأجواء الساكنة , والبيوت التى غشيها الليل , فاسترعى سمعه صوت امرأة سكبت كل عواطفها فى بيتين من الشعر , قائلة :
تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقـنـى أن لاحبـيـب ألاعـبــه
فلـولا حـذار الله لاشـئ مثلـه لزعزع من هذا السرير جوانبه
حرك هذان البيتان وجدان عمر رضى الله عنه , فاستأذن عليها , وقال : مالك ؟
قالت فى أسى : أغربت زوجى منذ أشهر , وقد اشتقت إليه .
قال فى حزم : أردت سوءا .
قالت : معاذ الله !
قال : فاملكى عليك نفسك , فإنما هو البريد إليه .
فبعث إليه ثم دخل على حفصة رضى الله عنها فقال : إنى سائلك عن أمر فافرجيه عنى , ثم همس : فى كم تشتاق المرأة إلى زوجها ؟
خفضت أم المؤمنين حفصة رضى الله عنها رأسها واستحيت , فأقبل عليها عمر رضى الله عنه , ليخفف عنها وطأة الحرج قائلا : إن الله لايستحى من الحق !!
أمسك الحياء لسانها , فأشارت بيديها ثلاثة أشهر , وإلا فأربعة أشهر .
فكتب عمر رضى الله عنه : أن لاتحبس الجيوش فوق ثلاثة أشهر .
القصة الثامنة عشر
أصابت إمرأة وأخطأ عمر
ارتقى عمر رضى الله عنه المنبر ذات يوم تنبعث منه همهمات التسبيح والتحميد , يمم وجهه شطر الجموع المتراصة وراح يقول :
لاتغالوا فى صداق النساء , وإنه لايبلغنى عن أحد أنه ساق أكثر من شئ ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك فى بيت المال , ثم نزل فعرضت له إمرأة من قريش .
فقالت : ياأمير المؤمنين لكتاب الله أحق أن يتبع أم قولك ؟
قال : كتاب الله , فما ذاك ؟
قالت : نهيت الناس آنفا أن يتغالوا فى صداق النساء , وقال الله تعالى فى كتابه :" وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وأتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ".
فقال عمر رضى الله عنه : كل أحد أفقه من عمر .
ثم رجع إلى المنبر , فقال للناس : إنى كنت نهيتكم أن تغالوا فى صداق النساء , فليفعل كل رجل فى ماله مابدا له .
القصة التاسعة عشر
إن الشيطان ليخاف منك ياعمر
خرج النبى صلى الله عليه وسلم فى بعض مغازيه , فلما عاد منتصرا ظافرا , جاءت جارية سوداء .
فقالت : يارسول الله إنى كنت نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى .
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : إن كنت نذرت فأضربى وإلا فلا .
فأمسكت الجارية بالدف , وأخذت تضرب , فدخل أبو بكر رضى الله عنه وهى تضرب , ثم دخل على رضى الله عنه وهى تضرب , ثم دخل عثمان رضى الله عنه وهى تضرب , ثم دخل عمر رضى الله عنه , فألقت الدف على الرض ثم قعدت عليه خوفا ورهبة منه .
فقال النبى صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان ليخاف منك ياعمر .
القصة العشرون
عمر رضى الله عنه يصارع الشيطان
جلس ابن مسعود رضى الله عنه , فى سكينة , ووقار , وحوله رهط من الصحابة والتابعين , يقص عليهم الطرائف , ويروى لهم النوادر .
فقال : لقى رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الشيطان فى زقاق من أزقة المدينة , فدعاه الجنى إلى المصارعة , فصرعه الصحابى رضى الله عنه .
فقال الجنى : دعنى .
فتركه الصحابى .
ثم قال الجنى ثانية : هل لك فى المعاودة ؟
فتصارعا , فصرع الصحابى الجنى , وجلس على صدره .
ثم قال الصحابى : أراك شخصا ضئيلا كأن ذريعتيك ( يديك ) ذريعتا كلب أو جنى !!
قال الجنى : والله إنى منهم ( أى من الجن ) .
فقال الصحابى : ماأنا بالذى أدعك حتى تخبرنى ماالذى يعيذنا منكم .
قال الجنى : آية الكرسى .
فقال رجل لابن مسعود رضى الله عنه : من ذلك الرجل ؟
فقال : ومن عسى أن يكون إلا عمر .
القصة الحادية والعشرون
صدق عوف
فى كوكبة من الصحابة جلس عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهو يومئذ أمير المؤمنين ... تحلقوا حوله يتجاذبون أطراف الحديث ... ويتنقلون بين رياض السيرة العطرة .
فقالوا يمدحون عمر رضى الله عنه : والله مارأينا رجلا أقضى بالقسط ولاأقول بالحق , ولاأشد على المنافقين منك ياأمير المؤمنين , فأنت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
غضب عوف بن مالك رضى الله عنه الذى كان يجلس بينهم , وتميز غضبا من قولهم فثار صائحا : كذبتم والله !! لقد رأينا خيرا منه بعد النبى صلى الله عليه وسلم .
قال عمر رضى الله عنه : من هو ياعوف ؟!!
قال عوف رضى الله عنه : أبو بكر رضى الله عنه .
قال عمر رضى الله عنه : صدق عوف وكذبتم , والله لقد كان أبو بكر أطيب من ريح المسك , وأنا أضل من بعير أهلى .
القصة الثانية والعشرون
لن آكل السمن حتى يشبع الناس
اشترت امرأة عمر بن الخطاب رضى الله عنه سمنا بستين درهما .
فلما رآه قال : ماهذا ؟
قالت : سمن , اشتريته من مالى وليس من نفقتك .
فقال : لن أذوقه حتى يشبع منه الناس .
القصة الثالثة والعشرين
عمر رضى الله عنه يعرف نفسه بنفسه
بخطى متثاقلة و وجسد أرهقه الحزن , صعد عمر بن الخطاب رضى الله عنه المنبر , وصاح بالقوم الذين ضاق بهم المسجد :
أيها الناس : لقد رأيتنى وأنا أرعى غنم خالات لى من بنى مخزوم نظير قبضة من تمر .
ثم نزل من فوق المنبر , وارتفعت همهمات الدهشة : لماذا جمعنا عمر ؟! وماهذا الكلام الذى يقوله ؟! والله مافهمنا شيئا .
فتقدم عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه قاطعا هذا الهمس , وجلس بين يديه سائلا : ماذا أردت إلى هذا ياأمير المؤمنين ؟
حرك عمر رضى الله عنه شفتيه المرتعشتين : ويحك ياابن عوف خلوت بنفسى , فقالت : أنت أمير المؤمنين , وليس بينك وبين الله أحد , فمن ذا أفضل منك ؟! فأردت أن أعرفها قدرها .
القصة الرابعة والعشرين
اتق الله يا أمير المؤمنين
قام أمير المؤمنين , ورجل خلاف , فقال الرجل فى غضب : اتق الله يا أمير المؤمنين .
فقال رجل من القوم : أتقول لأمير المؤمنين اتق الله !
فقال عمر رضى الله عنه : دعه فليقلها لى , نعم ماقال , ولا خير فيكم إذا لم تقولوها لنا , ولاخير فينا إذا لم نقبلها منكم .
القصة الخامسة والعشرين
فيك عيبان
صعد عمر رضى الله عنه المنبر ذات يوم , وصاح بالناس يريد منهم النصح :
أنشدكم الله , لايعلم رجل منى عيبا إلا عابه
فارتفعت الهمهمات , وكثر اللغط , فقام رجلا قائلا :
فيك عيبان .
تهلل وجه عمر رضى الله عنه ةابتسم قائلا : وماهما يرحمك الله ؟
قال الرجل : لك قميصان تلبس واحدا وتخلع الآخر , وتجمع بين لونين من ألوان الطعام , ولايسع ذلك الناس .
فقال عمر رضى الله عنه : والله لن أجمع بين قميصين , ولابين طعامين .
فظل كذلك - رحمه الله - حتى لقى الله .
القصة السادسة والعشرين
لم يكن لى ثوب غيره
امتلأ المسجد عن آخره , وبدأ الناس يتبادلون النظرات المتسائلة فى صمت : لماذا تأخر أمير المؤمنين , وأين هو الأن ؟
وبعد لحظات دخل عمر رضى الله عنه المسجد , وصعد المنبر , وأقبل على الناس متعذرا :
إنما حبسنى غسل ثوبى هذا كان يغتسل , ولم يكن لى ثوب غيره .
عدالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
لما نزلت بالمسلمين شدة أيام خلافة الفاروق رضي اللع عنه وارضاه
كان طعام عمر الزيت وكان مداوماً على أكل الزيت حتى اصفر وجهه الذي كان كقطعة القمر حتى صارت بطنه تحدث أصواتاً فكان يقول لبطنه صوتي او لا تصوتي لن تذوقي اللحم حتى يشبع أطفال المسلمين .
القصة السابعة والعشرين
فطنة جرير
تربع عمر بن الخطاب رضى الله عنه على أسفل جدار صغير وحوله هالة من أصحابة ، تنساب الكلمات من أفواههم , حاملة العظة والطرفة , وبينما هم كذلك ارتفعت بينهم رائحة كريهة .
فقال عمر رضى الله عنه : عزمت على صاحب هذه الريح أن يقوم فيتوضأ .
تبادل القوم النظرات , وأحسوا بالحرج , فقال جرير بن عبد الله رضى الله عنه : ياأمير المؤمنين نتوضأجميعا ... أراد بذلك أن لايعرف من الذى أخرج الريح , فلا يصاب بالحرج .
ابتسم عمر بن الخطاب رضى الله عنه قائلا : رحمك الله !! نعم السيد كنت فى الجاهلية , نعم السيد أنت فى الإسلام .
القصة الثامنة والعشرين
لو ملت لعدلناك
عند مشربة بن حارثة رأى عمر بن الخطاب محمد بن سلمة رضى الله عنهما , وكان رجلا لايخشى فى الله شيئا , ويقول الحق و ولو كان فيه موته .
فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : كيف ترانى يامحمد ؟
قال محمد بن سلمة رضى الله عنه : أراك كما أحب , وكما يحب من يحب لك الخير , أراك قويا على جمع المال , عفيفا عنه , عدلا فى قسمه , ولو ملت لعدلناك كما يعدك السهم فى الثقاب .
فقال عمر رضى الله عنه فرحا : الحمد لله الذى جعلنى فى قوم إذا ملت عدلونى .
القصة التاسعة والعشرين
اجعل بينى وبينك رجلا
نشب خلاف بين عمر بن الخطاب , وأبى بن كعب رضى الله عنهما , فقال عمر رضى الله عنه : اجعل بينى وبينك رجلا .
قبل أبى بن كعب رضى الله عنه فجعل بينهما زيد بن ثابت رضى الله عنه , فأتياه , فقال عمر رضى الله عنه : أتيناك لتحكم بيننا , وفى بيته يؤتى الحكم .
فلما دخلا عليه وسع زيد بن ثابت رضى الله عنه صدر فراشه لأمير المؤمنين , وقال مشيرا بيده ك هاهنا ياأمير المؤمنين .
تغير وجه عمر رضى الله عنه وقال : هذا أول جور جرت فى حكمك , ولكن أجلس مع خصمى .
فجلس عمر وأبى بن كعب رضى الله عنهما بين يدى زيد بن ثابت رضى الله عنه وادعى أبى وأنكر عمر رضى الله عنهما , فقال زيد لأبى فى رجاء : اعف عن أمير المؤمنين من اليمين , وما كنت لأسألك لأحد غيره .
بادر عمر رضى الله عنه زيد بن ثابت وأبى بن كعب , فحلف اليمين , ثم أقسم ثانية : لايدرك زيد القضاء حتى يكون عمر ورجل من عرض ( عامة ) المسلمين عنده سواء .
القصة الثلاثون
عمر رضى الله عنه يخوض المخاضة
ذهب أمير المؤمنين رضى الله عنه إلى الشام , وقبيل الوفود المحتشدة لأستقباله عرضت له مخاضة ( بركة ماء ) , فنزل عن بعيره , وخلع نعليه وأرسلهما وراء ظهره , ثم خاض الماء ممسكا بخطام بعيره , وظل كذلك حتى بلغ الوفود .
فقال أبو عبيده رضى الله عنه : قد صنعت صنيعا عظيما عند أهل الأرض , يعنى أهل الشام .
فضرب عمر رضى الله عنه بيده على صدره قائلا : أواه .. لوغيرك يقولها ياأبو عبيده ... إنكم كنتم أذل الناس وأحقر الناس وأقل الناس , فأعزكم الله بالإسلام , فهما تطلبوا العزة بغيركم يذلكم الله .
القصة الحادية والثلاثون
أتعبت من بعدك
فى شوارع المدينة , خرج عمر بن الخطاب رضى الله عنه يعدو فى عجل , فلقاه على بن أبى طالب رضى الله عنه قائلا : إلى أين ياأمير المؤمنين ؟
يجيبه عمر رضى الله عنه دون أن يتوقف : بعير أفلت من إبل الصدقة .
قلب على رضى الله عنه يديه قائلا : أتعبت من بعدك .
فقال عمر رضى الله عنه : والذى بعث محمدا بالحق , لو أن عنزا ذهبت بشاطئ الفرات لأخذ بها عمر يوم القيامة .
القصة الثانية والثلاثون
فضل أسامة بن زيد رضى الله عنهما
كان بوسع التاريخ أن يمر عليه سريعا كما مر على آلاف , بل ملايين غيره ,ولكنه توقف عنده ليضيف إليه صفحات خالدة , مازال يرن صداها حتى اليوم .. إنه أسامة بن زيد رضى الله عنهما .
فقد فرض له عمر بن الخطاب رضى الله عنه أكثر مما فرض لإبنه عبد الله رضى الله عنه .
فقال عبد الله رضى الله عنه : ياأبت فرضت لأسامة بن زيد أربعة آلاف , وفرضت لى ثلاثة آلاف , وما كان لأبيه أكثر مما كان لك , وليس له من الفضل أكثر مما لى .
قال عمر رضى الله عنه : هيهات ... إن أباه أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك , وكان هو أحب إلى رسول الله منك .
فرضى عبد الله بن عمر رضى الله عنهما بما فرض له من عطاء .
القصة الثالثة والثلاثون
عففت فعفوا
لما وضع بين يدى عمر رضى الله عنه سيف كسرى ومنطقته وزبرجه قال : إن أقواما أدوا هذا لذووا أمانة .
فقال على بن أبى طالب رضى الله عنه الذى كان يجلس لجواره : إنك عففت فعفت الرعية .
القصة الرابعة والثلاثون
عمر رضى الله عنه يقبل رأس ابن حذافه
فى السنة التاسعة عشرة للهجرة أرسل عمر بن الخطاب رضى الله عنه جيشا لحرب الروم وفيهم رجل يقال له : عبد الله بن حذافه من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم , فأسره الروم , وذهبوا به مكبلا فى قيوده إلى ملكهم .
فقالوا له : هذا الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
نزل الملك عن عرشه , وتقدم فى بطء إلى عبد الله بن حذافة الذى قام فى وسط البلاط فى عزة وثبات , مازادته القيوم إلا هيبة وقوة و تصفحه الملك بنظراته النافذة , وشرد فى هؤلاء المسلمين الذين هانت عندهم الدنيا , وأداروا ظهورهم للنشوة والمتعة , اقترب الملك من عبد الله بن حذافة قائلا : هل لك أن تتنصر وأشركك فى ملكى ومالى ؟
قال عبد الله فى ثبات : لو أعطيتنى جميع ماتملك وجميع ماملكته العرب على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين مافعلت .
قال الملك فى حدة : إذن أقتلك .
قال عبد الله : أنت وذاك .
فأمر به فصلب , وقال للرماة : ارموه قريبا من يديه ورجليه .
فأمطر الرماة عبد الله بن حذافة بالسهام , والملك يعرض عليه التنصر , فما زاده ذلك إلا إيمانا , ثم أمر به فأنزل , ثم أمر أن يسجن وكان يقدموا له لحم الخنزير والخمر فلم يأكل حتى إنحنيت رقبته وقرب هلاكه فدعاه الملك وقال له أعلم أن دينكم يبيح لكم لحم الخنزير والخمر فى الضرورة عندما لايوجد غيرهم فقال له نعم أعلم ذلك ولكن خشيت أن أشمت أعداء الإسلام بالإسلام فأطعموة وأعادوه للسجن وأدخلوا عليه ملكة جمال الروم وهى عارية كيوم ولدتها أمها وكانت ترمى بنفسها عليه فكان يفر منها وظلت هكذا فترة حتى يئست منه وخرجت وقالت : أأدخلتمونى على بشر أم على حجر والله لايعلم أأنثى أنا أم ذكر .
ثم دعا الملك بقدر فصب فيه زيت حتى احترق , ثم دعا بأسيرين من المسلمين , فأمر بأحدهما فألقى وظل يتقلب حتى ذاب لحمه وبانت عظامه , وهو يعرض عليه , فكان أشد إباء من قبل .
ثم أمر به أن يلقى فيه , فلما ذهب الجنود به بكى , وسالت دموعه , فقيل للملك : إنه قد بكى .
فظن أنه خاف وجذع , فقال ضاحكا : ردوه .
فعرض عليه النصرانية , فأبى .
فقال الملك متعجبا ذاهلا : ماأبكاك إذن ؟!
قال عبد الله : أبكانى أنى قلت فى نفسى : تلقى الساعة فى هذا القدر فتذهب نفس واحدة و فكنت أشتهى أن يكون بعدد كل شعرة فى جسدى أنفس تلقى فى سبيل الله .
هز الملك رأسه إعجابا وحيرة من هذا الرجل الذى احتقر الموت , ثم تقدم ناحيته هامسا : هل لك أن تقبل رأسى وأخلى عنك ؟
قال عبد الله فرحا : تخلى عنى وعن جميع أسارى المسلمين ؟!
قال الملك : وعن جميع أسارى المسلمين .
قال عبد الله : فقلت فى نفسى : عدو من أعداء الله أقبل رأسه يخلى عنى وعن جميع أسارى المسلمين , لاأبالى .
ثم تقدم عبد الله بن حذافة , فقبل رأسه , فدفع إليه الأسارى , فقدم بهم على عمر بن الخطاب رضى الله عنه , فأخبره بخبره .
تهلل وجه عمر رضى الله عنه , وانشرح صدره صائحا : حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة , وأنا أبدأ .
فنهض عمر رضى الله عنه وانحنى يقبل رأس عبد الله بن حذافة رضى الله عنه وأرضاه .
القصة الخامسة والثلاثون
الفارس والغنائم
هجعت الحرب , وخمدت قرقعة السيوف , وتناثرت أشلاء القتلى , وارتفعت راية الإيمان خفاقة تعلن نصر المسلمين , فانطلق الأبطال يجمعون الغنائم التى ازدحمت بها ساحة المعركة .
وكان من بين هؤلاء الفرسان رجل مغوار لايشق له غبار , أصاب من الأعداء خلقا كثيرا , فأعطاه أبو موسى الأشعرى رضى الله عنه نصيبه ولم يوفه , فأبى أن يأخذه إلا جميعه , لايترك منه خردلة , فضربه أبو موسى عشرين سوطا وحلق رأسه .
جمع الرجل شعره المتناثر على الأرض فى صرة , وذهب به إلى المدينة , فلما دخل على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه أخرج الرجل شعره من جيبه , فضرب به صدر عمر رضى الله عنه .
فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : مالك ؟
فذكر الرجل قصته , ثار بركان الغضب الراقد فى صدر أمير المؤمنين , فكتب إلى أبو موسى الأشعرى :
سلام عليك , أما بعد : فإن فلان بن فلان أخبرنى بكذا وكذا , وإنى أقسم عليك إن كنت فعلت مافعلت فى ملأ من الناس جلست له فى ملأ من الناس فاقتص منك , وإن كنت فعلت مافعلت فى خلاء فاقعد له فى خلاء فليقتص منك .
القصة السادسة والثلاثون
الملك الهارب
أعلن جبلة بن الأيهم ملك غسان إسلامه , ووفد على عمر بن الخطاب رضى الله عنه بأبهة الملك والسلطنة , فتلقاه بالترحيب , وأنزله منزلة عظيمة .
وبينما كان جبلة بن الأيهم يطوف يوما بالبيت الحرام , وطئ على إزاره المهيب أعرابى من بنى فزارة , فضربه على وجهه , فشكاه الأعرابى إلى أمير المؤمنين الذى استدعى جبلة .
وقال فى حزم وعدل : إما أن ترضيه و وإما ان يضربك كما ضربته .
استعظم ذلك على جبلة بن الأيهم , وتولى كبرا , وقال فى زهو : ألا تفرقوا بين الملك والسوقة ؟!!
قال عمر رضى الله عنه : لا ... قد جمع بينكما الإسلام .
قال جبلة : إذن أتنصر , فقال عمر رضى الله عنه : ضربت عنقك !!
فلما رأى جبلة حزم عمر رضى الله عنه , وصلابته , طلب منه فرصة إلى الغد , فأخذ قومة وفر هاربا تحت جنح الظلام إلى القسطنطينية ولحق بهرقل .
القصة السابعة والثلاثون
بشر صاحبك بغلام
أزاح أمير المؤمنين عن جسده رداء الليل , وراح يشق الظلام الحالك , وإذا به يسمع أنين إمرأة ينبعث من بيت من شعر لم يكن بالأمس .
دنا عمر رضى الله عنه فرأى رجلا يجلس القرفصاء أمام الباب فسلم عليه , ثم قال : من الرجل ؟
قال : رجل من أهل البادية جئت إلى أمير المؤمنين أصيب من فضله .
قال عمر رضى الله عنه : ماهذا الصوت الذى أسمعه فى البيت ؟
فقال الرجل : انطلق يرحمك الله لحاجتك .
قال عمر رضى الله عنه : على ذلك ... ماهذا الصوت ؟
فقال الرجل : امرأة تلد .
قال عمر رضى الله عنه : عندها أحد ؟
فقال الرجل : لا .
فنهض عمر رضى الله عنه مسرعا حتى أتى منزله , فقال لزوجته أم كلثوم بنت على رضى الله عنهما : هل لك فى أجر ساقه الله إليك ؟
قالت : ماهو ؟
قال : إمرأة غريبة تلد ليس عندها أحد .
قالت : نعم إن شئت .
قال : فخذى معك مايصلح المرأة لولادتها من الخرق والدهن وجيئينى بقدر شحم ودقيق , فجاءت به , وحمل عمر رضى الله عنه ذلك كله وقال لإمرأته : انطلقى ... فمشت خلفه حتى بلغا بيت الشعر .
فقال لها : ادخلى إلى المرأة .
وجاء حتى قعد إلى الرجل , وأشعل النار تحت القدر , وأخذ ينفخ والدخان يتخلل لحيته حتى أنضجها , وولدت المرأة , وصدح صوت الطفل .
فقالت أم كلثوم : ياأمير المؤمنين ... بشر صاحبك بغلام .
فلما سمع الأعرابى كلمة أمير المؤمنين , فشهق بشدة , وتنحى هيبة لعمر رضى الله عنه .
فقال له عمر رضى الله عنه : مكانك كما كنت .
وحمل القدر , ووضعها عند الباب , ثم قال : أشبعيها , ففعلت ثم أخرجت القدر فوضعتها على الباب , فقام عمر رضى الله عنه فأخذها فوضعها بين يدى الرجل وقال كل ... كل ... فإنك قد سهرت من الليل .
ثم قال عمر رضى الله عنه لأمرأته : اخرجى .
وقال للرجل : إذا كان غدا فأتنا نأمر لك بما يصلحك , ففعل الرجل , فأجازه وأعطاه .
القصة الثامنة والثلاثون
الشيخ التائب
ذات مساء , خرج الفاروق رضى الله عنه حاملا درته بين يديه يتبعه ابن مسعود رضى الله عنه , فإذا هو بضوء نار , فأتاه حتى دخل دارا , فإذا بشيخ اشتعل رأسه شيبا , جالس وبين يديه شراب وأمه تغنى , فلم يشعر حتى هجم عليه عمر رضى الله عنه .
فقال : ما رأيت كالليلة منظرا أقبح من شيخ ينتظر أجله !!
رفع الرجل رأسه قائلا : ياأمير المؤمنين إن ماصنعته أنت أقبح ! تجسست , وقد نهيت عن التجسس , ودخلت بغير إذن .
قال عمر رضى الله عنه : صدقت .
ثم خرج تجهش عيناه بالبكاء ويقول فى حزن : ثكلت عمر أمه , إن لم يغفر له ربه , كان يستخفى به من أهله , فيقول : الآن رآنى عمر فيتتابع فيه .
وهجر الشيخ مجلس عمر رضى الله عنه حينا , فبينما عمر رضى الله عنه جالس فى ثلة من الناس إذا بالرجل قد جاء شبه المستخفى حتى جلس فى أخريات المجلس , فرآه عمر رضى الله عنه .
قال : على بهذا الشيخ .
فأتى فقيل له : أجب أمير المؤمنين .
قام الرجل , وقد تساوره خوف من عمر رضى الله عنه , وأنه سيوقع به العذاب , بما رأى منه .
فقال عمر رضى الله عنه : أدنه منى , فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه , والتقم أذنه هامسا : أما والذى بعث محمدا بالحق رسولا ماأخبرت أحدا من الناس بما رأيت منك , ولاابن مسعود فإنه كان معى .
قال الرجل فاغرا فاه : ياأمير المؤمنين أدن منى أذنك , فالتقم أذنه , ولا أنا والذى بعث محمدا بالحق رسولا ماعدت إليه حتى جلست مجلسى هذا .
فرفع عمر رضى الله عنه صوته يكبر , فما يدرى الناس من أى شئ يكبر .
القصة التاسعة والثلاثون
انطلق بنا إلى فلان
فقد عمر رضى اللع عنه رجلا كان يغشى مجلسه مدة , فخشى أن يكون قد أصابه مكروه , فقال لعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه : انطلق بنا إلى منزل فلان فننظر .
فأتيا منزل الرجل , ووجدا بابه مفتوحا , وهو جالس , وامرأته تصب له فى الإناء شرابا .
همس عمر لابن عوف رضى الله عنهما : هذا الذى شغله عنا .
قال ابن عوف رضى الله عنه : ومايدريك مافى الإناء ؟
قال عمر رضى الله عنه طاردا ماتسرب إليه من الوساوس : أتخاف أن يكون هذا هو التجسس ؟
قال ابن عوف رضى الله عنه مؤكدا : بل هو التجسس .
قال عمر رضى الله عنه : ومالتوبة من هذا ؟
قال ابن عوف رضى الله عنه : لاتعلمه بما اطلعت عليه من أمره , ولايكونن فى نفسك إلا خيرا .
ثم انصرفا من حيث قدما .
القصة الأربعون
عمر رضى الله عنه يتسور بيتا
فى ساعة متأخرة من الليل , اتدفع عمر بن الخطاب رضى اله عنه فى شعاب المدينة , يهتك الظلام بخطوات ثابتة , فسمع صوت رجل فى بيت يتغنى بكلمات ساقطة , فتسور عمر بن الخطاب رضى الله عنه البيت عليه .
وقال : ياعدو الله , أظننت أن الله يسترك وأنت فى معصية .
فقال الرجل : ياأمير المؤمنين لاتعجل على , إن كنت عصيت الله واحدة , فقد عصيت الله فى ثلاث :
تجسست وقد قال تعالى :" ولاتجسسوا " , وتسور ت على وقال الله تعالى :" وأتوا البيوت من أبوابها " , ودخلت بغير إذن وقال الله تعالى :" لاتدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ".
قال عمر رضى الله عنه : فهل عندك من خير إن عفوت عنك ؟!
قال الرجل : نعم .
فعفا عنه وخرج وتركه .
القصة الحادية والأربعون
رجل تهتف به النساء
فى هاجرة الليل , سمع عمر بن الخطاب رضى الله عنه امرأة , وهى تهتف من خدرها :
هل من سبيل إلى خمر فأشربها أم هل سبيل إلى نصر بن حجـاج
إلى فتـى ماجـد الأعـراق مقتبـل سهـل المحيـا كريـم غيـر ملـجـاج
فقال عمر رضى الله عنه وقد بدت عليه علامات الغضب : لايكون معى رجل تهتف به النساء فى خدورهن , على بنصر بن حجاج .
وعندما قدم عليه نصر بن حجاج قص شعره , فخرجت وجنتان كأنهما شقتا قمر , وأمره عمر رضى الله عنه أن يطوق رأسه بعمامه , ففعل .
ثم قال له : لاتساكننى ببلد أنا فيه
فبعثه عمر رضى الله عنه إلى البصرة .
خشيت المرأة التى سمعها عمر رضى الله عنه على نفسها , فدست إليه أبياتا تقول فيها :
فبعث إليها عمر رضى الله عنه : قد بلغنى عنك خير , وإنى لم أخرجه من أجلك , ولكن بلغنى أنه يدخل على النساء , فلست آمنهن .
القصة الثانية والأربعون
ماذا تقول لربك ؟!
أطلق رجل حنجرته صائحا : ياأمير المؤمنين انطلق معى فأعدنى على فلان فإنه ظلمنى .
فرفع عمر رضى الله عنه الدرة فضرب بها رأس الرجل وقال : تدعون عمر وهو معرض لكم حتى إذا اشتغل بأمر من أمور المسلمين أتيتموه : أعدنى ... أعدنى .
وانصرف الرجل وهو يتذمر غيظا .
فقال عمر رضى الله عنه : على بالرجل .
فأعطاه الدره وقال له : امسك ... لتقتص منى .
قال الرجل : لا ولكن أدعها لله ولك .
فقال عمر رضى الله عنه : ليس كذلك , إما تدعها لله وإرادة ماعنده , أو تدعها لى فأعلم ذلك .
قال الرجل : أدعها لله .
فقال عمر رضى الله عنه : انصرف .
ثم ذهب عمر رضى الله عنه يمشى حتى دخل منزله , ونحن معه , فافتتح الصلاة , فصلى ركعتين و ثم جلس فقال :
يا ابن الخطاب ... كنت وضيعا فرفعك الله , وكنت ضالا فهداك الله , وكنت ذليلا فأعزك الله , ثم حملك على رقاب المسلمين فجاء رجل يستعديك فضربته , ماتقول لربك غدا إذا أتيته .
قال الأحنف رضى الله عنه : فجعل عمر يعاتب نفسه معاتبة ظننت أنه من خير أهل الأرض .
القصة الثالثة والأربعون
رسالة من عمر رضى الله عنه إلى نيل مصر
فى شهر بؤونة من الأشهر القبطية , اجتمع أهل مصر عند عمر و بن العاص رضى الله عنه وقالوا : أيها الأمير , إن لنيلنا هذا سنة لايجرى إلا بها .
فقال لهم : وماهى ؟!
قالوا : إنه إذا كان اثنتى عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها , فأرضيناها , وجعلنا عليها شيئا من الحلى والثياب أفضل مايكون , ثم ألقينا بها فى النيل .
بدت علامات الغضب الممزوج بالحزن على وجه عمرو بن العاص رضى الله عنه وقال : إن هذا لايكون فى الإسلام , فإن الإسلام يهدم ماقبله .
فأقام أهل مصر شهر بؤونة وأبيب ومسرى النيل لايجرى بقليل أو كثير من الماء , حتى هموا بالرحيل .
فكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنهما بذلك , فأرسل إليه عمر رضى الله عنه : قد أصبت , إن الإسلام يهدم ماقبله , وقد بعثت إليك ببطاقة , فالقها فى داخل النيل إذا أتاك كتابى .
ولما قدم الكتاب على عمرو بن العاص رضى الله عنه فتح البطاقة فإذا فيها :
من عبد الله , عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر
أما بعد : فإن كنت تجرى من قبلك فلا تجر , وإن كان الواحد القهار يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك .
فألقى عمرو بن العاص رضى الله عنه البطاقة فى النيل قبل يوم الصليب بيوم , وقد تهيأ أهل مصر للرحيل , فأصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله ستة عشرة ذراعا , وقطعت تلك السنة السوء عن أهل مصر .
الفصة الرابعة والأربعون
عمر رضى الله عنه يستغيث بأمير مصر
اختفت السحب من السماء , وابتلعت الأرض ماءها , وحاصر الجدب الجزيرة العربية , وضرب الفقر بأطنابه على المدينة , ومزق الجوع أفئدة الأطفال الرضع , وأكباد الشيوخ الرتع .
فكتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى عامله بمصر عمرو بن العاص رضى الله عنه :
من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاص بن العاص , سلام :
أما بعد : فلعمرى ياعمرو ماتبالى إذا شبعت أنت ومن معك أن أهلك أنا ومن معى , فياغوثاه , ثم ياغوثاه .
اضطرب عمرو بن العاص رضى الله عنه من رسالة أمير المؤمنين , وأحس بالأسف , ولم يهنأ بطعام ولاشراب حتى جهز الزاد والزواد للمسلمين فى شبه الجزيرة , ثم كتب إلى أمير المؤمنين :
لعبد الله عمر أمير المؤمنين من عمرو بن العاص أما بعد :
فيالبيك , ثم يالبيك , وقد بعثت إليك بعير أولها عندك وأخرها عندى , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
القصة الخامسة والأربعون
عمر وبعث أسامة رضى الله عنهما
لم يجاوز جيش أسامة بن زيد رضى الله عنه الخندق حتى ارتفع صوت الناعى فى سماء المدينة : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم .
توقف الجيش عن السير , وأقبل أسامة رضى الله عنه على عمر بن الخطاب رضى الله عنه قائلا : ارجع إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فاستأذنه , يأذن لى فليرجع الناس , فإن معى وجوههم وحدهم , ولا آمن على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون .
وقالت الأنصار : فإن أبى إلا أن نمضى , فأبلغه عنا واطلب إليه أن يولى أمرنا رجلا أقدم سنا من أسامة .
خرج عمر بأمر أسامة , فأتى أبا بكر , فأخبره بما قال أسامة .
قال أبو بكر رضى الله عنه : لو اختطفتنى الكلاب والذئاب لم أرد قضاء قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال عمر رضى الله عنه : فإن الأنصار أمرونى أن أبلغك أنهم يطلبون إليك أن تولى أمرهم رجلا أقدم سنا من أسامة .
فوثب أبو بكر رضى الله عنه كالأسد الثائر , وكان جالسا , فأخذ بلحية عمر رضى الله عنه وصاح : ثكلتك أمك وعدمتك ياابن الخطاب ! استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرنى أن أنزعه ؟!
انصرف عمر رضى الله عنه يجر خلفه رداء الخجل , فلما أقبل على الأنصار قالوا له : ماصنعت ؟!
فقال عمر رضى الله عنه : امضوا ثكلتكم أمهاتكم , مالقيت فى سبيلكم اليوم من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم !.
القصة السادسة والأربعون
سراقة يلبس تاج كسرى
لبس سراقة بن مالك درعه , وتوشح سيفه , وامتطى صهوة فرسه , واندفع ينهب الأرض بحثا عن النبى صلى الله عليه وسلم , ولكنه مالبث أن عثر عليه , وعندما أبصرت عينه معجزاته صلى الله عليه وسلم .
قال : والله يامحمد إنى لأعلم أنه سيظهر دينك , ويعلو أمرك فعاهدنى إذا أتيتك فى ملكى أن تكرمنى , وأكتب لى بذلك .
فأمر النبى صلى الله عليه وسلم الصديق رضى الله عنه , فكتب له على لوح عظيم .
وقال له النبى صلى الله عليه وسلم : كيف بك ياسراقة إذا لبست سوارى كسرى ؟!
ثم أسلم سراقة وقدم المدينة على النبى صلى الله عليه وسلم , ودارت الأيام دورتها , وانتصر المسلمون فى القادسية , وحملت الغنائم إلى المدينة , وكان من بينها تاج كسرى , وثيابه المنسوجة بخيوط الذهب , وثيابه المنظوم بالجواهر , وسواره اللذان لم تر العين مثلهما قط .
فصاح عمر رضى الله عنه : أين سراقة بن مالك ؟!
فأتى إليه وألبسه قميص كسرى وسواريه , وقلده سيفه , ووضع على رأسه تاجه , وأخذ يتبختر بهم , والدموع تسيل من عينيه , ولسان حاله يقول : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم رفع عمر رضى الله عنه رأسه إلى السماء قائلا : اللهم إنك منعت هذاالمال رسولك , وكان أحب إليك منى وأكرم , ومنعته أبو بكر وكان أحب إليك منى وأكرم , وأعطيتنيه , فأعوذ بك أن تكون قد أعطيتن
عمر الملهم رضى الله عنه
يوم الجمعة , انطلق صوت عمر بن الخطاب رضى الله عنه الجهورى يعظ الناس , وينصح لهم , وبينما هم كذلك هتف : ياسارية بن زنيم الجبل , ياسارية بن زنيم الجبل , ظلم من استرعى الغنم ... ثلاثا .
رفع القوم رؤوسهم فى غرابة , ولسان حالهم يقول: مابال عمر ؟ وأين سارية هذا ؟
ثم نزل عمر رضى الله عنه , فالتف الناس حوله يسألونه , فقال : وقع فى قلبى أن المشركين هزموا إخواننا , وأنهم يمرون بجبل , فإن احتموا به قاتلوا من وجه واحد , وان جاوزوا هلكوا , فخرج منى ماسمعتموه .
فجاء البشير بعد شهر فأخبر أنهم هزموا , فبينما نحن كذلك إذ سمعنا صوتا ينادى ياسارية الجبل ... ثلاثا , فأسندنا ظهرنا إلى الجبل فهزمهم الله .
القصة الثامنة والأربعون
كلكم فى الجنة إلا رجلا
ذات يوم كان عمر رضى الله عنه جالسا فقال : لونادى مناد من السماء :
ياأيها الناس : إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلا واحدا لخفت أن أكون أنا هو , ولو نادى مناد : ياأيها الناس إنكم داخلون النار إلا رجلا لرجوت أن لاأكون أنا هو .
القصة التاسعة والأربعون
من كرامات عمر رضى الله عنه
هجرت السحب السماء , واشتد القحط , فمات الزرع , وجف الضرع , فخرج عمر رضى الله عنه بالناس , فصلى بهم ركعتين , وخالف بين طرفى ردائه , فجعل اليمين على اليسار واليسار على اليمين , ثم بسط يديه , ثم راح يناجى ربه بدموع منهمرة : اللهم إنا نستغفرك ونستسقيك فما برح مكانه حتى مطروا .
وبعد وقت أقبل الأعراب , فأتوا عمر رضى الله عنه فقالوا : ياأمير المؤمنين , بينما نحن بوادينا فى يوم كذا وساعة كذا , إذ أظلنا غمام فسمعنا فيه صوتا : أتاك الغوث أبا حفص , أتاك الغوث أبا حفص .
القصة الخمسين
أعثرات عمر تتتبع ؟
كان الظلام صارخا عندما خرج عمر بن الخطاب رضى الله عنه يعدو متخفيا إلى أطراف المدينة , وقبل أن يتيه فى سواد الليل رآه طلحة رضى الله عنه , فانطلق خلفه .
دخل عمر رضى الله عنه بيتا صغيرا , ومكث فيه وقتا طويلا , فانصرف طلحة رضى الله عنه , وفى الصباح ذهب إلى ذلك البيت , فإذا بعجوز عمياء مقعدة .
فقال طلحة رضى الله عنه : مابال هذا الرجل يأتيك ؟! يعنى عمر رضى الله عنه .
فقالت المرأة : إنه يتعاهدنى منذ كذا وكذا , يأتينى بما يصلحنى ويخرج عنى الأذى .
هز طلحة رضى الله عنه رأسه فى أسف قائلا : ثكلتك أمك ياطلحة أعثرات عمر تتتبع ؟
القصة الحادية والخمسين
بركة دعاء عمر رضى الله عنه
كان رجل من أهل الشام له صوت فى القتال كزئير الأسد , وكانت صيحاته فى الجيش خيرا من ألف فارس , إذا هتف اندفعت خلفه الجموع , وكان بفد على أمير المؤمنين فى المدينه ففقده , فقال : مافعل فلان بن فلان ؟
قالوا : ياأمير المؤمنين تتابع هذا الشراب , فدعا عمر كاتبه فقال : اكتب من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان سلام عليك , فإنى أحمد الله الذى لاإله إلا هو , غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذو الطول , لا إله إلا هو إليه المصير .
ثم قال لأصحابه : ادعو الله لأخيكم أن يقبل بقلبه ويتوب الله عليه .
فلما بلغ الرجل كتاب عمر رضى الله عنه جعل يقرؤه ويردده ويقول : غافر الذنب , وقابل التوب , شديد العقاب , ثم بكى طويلا حتى بللت دموعه لحيته , فما رؤى بعد ذلك يشرب الخمر , ببركة دعاء عمر رضى الله عنه .
القصة الثانية والخمسين
أدرك أهلك فقد إحترقوا
إلى جانب الطريق , وقف عمر رضى الله عنه مع رجل ثائر الرأس , بارز عظام الوجنتين , عليه وعثاء السفر .
فقال له : مااسمك ؟
قال الرجل : جمرة .
قال : ابن من ؟
فقال : ابن شهاب .
قال : ممن ؟
فقال : من الحرقة ... وهى ناحية بعمان .
قال : أين تسكن ؟
فقال : بحرة النار ... ناحية قرب المدينة .
قال : بأيتها ؟
فقال : بذات لظى .
قال عمر رضى الله عنه : أدرك أهلك فقد احترقوا .
فكان كما قال رضى الله عنه .
القصة الثالثة والخمسين
عمر رضى الله عنه والراهب
مر عمر رضى الله عنه بصومعة راهب , فوقف ونودى بالراهب , فقيل له : هذا أمير المؤمنين .
فجاء الراهب يسعى وهو نحيف ضعيف من الضر والإجتهاد وترك الدنيا , فبكى عمر رضى الله عنه لحاله .
فقيل له : إنه نصرانى .
قال : قد علمت ولكنى تذكرت قول الله تعالى :" عاملة ناصبة , تصلى نارا حامية ". فرحمت نصبه واجتهاده وهو فى النار .
القصة الرابعة والخمسين
عمر رضى الله عنه يمرض شهرا
على حمار له خرج عمر رضى الله عنه ذات ليلة , يجوب فى أزفة المدينة , ينظر أحوال الناس , فمر بدار رجل من الأنصار , فوافقه قائما يصلى , فوقف يسمع قرأته , فقرأ :" والطور , وكتاب مسطور , فى رق منشور , والبيت المعمور , والسف المرفوع , والبحر المسجور , إن عذاب ربك لواقع , ماله من دافع ".
فقال عمر رضى الله عنه : قسم ورب الكعبة حق , ثم نزل عن حماره واستند إلى حائطه , فمكث مليا , ثم رجع إلى منزله , فمرض شهرا يعوده الناس لايدرون مامرضه .
القصة الخامسة والخمسين
عمر رضى الله عنه والهرمزان
فى انكسار وذلة وقف الهرمزان عظيم الفرس مكبلا بالأغلال بين يدى عمر رضى الله عنه .
فقال له : تكلم .
فقال الهرمزان : أتكلم بلام حى أم كلام ميت ؟!
قال عمر رضى الله عنه : كلام حى .
فقال الهرمزان : كنا نحن وأنتم فى الجاهلية , لم يكن لنا ولالكم دين فكنا نردكم معشر العرب بمنزلة الكلاب , فإذا أعزكم الله بالدين وبعث رسوله منكم لم نطعكم .
قال عمر رضى الله عنه : أتقول هذا وأنت أسير فى أيدينا ؟!.. اقتلوه .
فقال الهرمزان : أفيما علمكم نبيكم أن تؤمنوا أسيرا ثم تقتلوه .
قال عمر رضى الله عنه : متى أمنتك ؟
فقال الهرمزان : قلت لى تكلم بكلام حى , والخائف على نفسه لايكون حيا .
قال عمر رضى الله عنه آسفا : قاتله الله .. أخذ الأمان ولم أفطن به .
القصة السادسة والخمسين
اليهودى الخائن
لما قدم عمر رضى الله عنه الشام , فقام إليه رجل من أهل الكتاب فقال : ياأمير المؤمنين , إن رجلا من المؤمنين صنع بى ماترى , وكان الرجل مشجوجا مضروبا .
غضب عمر رضى الله عنه غضبا شديدا , ثم قال لصهيب رضى الله عنه : انطلق وانظر من الذى ضربه .
فانطلق صهيب فإذا هو عوف بن مالك الأشجعى .
وعندما حضر عوف بن مالك بين يدى عمر رضى الله عنه قال له : مالك ولهذا ؟
قال : ياأمير المؤمنين رأيت هذا يسوق بإمرأة مسلمة على حمار , فنخس بها لقع , فلم تقع , فدفعها فسقطت على الأرض فأكبت عليها .
فقال له : ائتنى بالمرأة فلتصدق ماقلت .
فأتى أبوها وزوجها لعمر بن الخطاب رضى الله عنه وصدقا عوف بن مالك , فأمر عمر رضى الله عنه باليهودى فصلب .
وقال : ماعلى هذا صالحناكم , ثم قال : أيها الناس اتقوا الله فى ذمة محمد صلى الله عليه وسلم , فمن فعل منهم هذا فلا ذمة له .
القصة السابعة والخمسين
عمر رضى الله عنه يقتص للمظلوم
اندفع رجل بين يدى عمر بن الخطاب رضى الله عنه , يستغيث بصوت منتخب , ودموع يحجبها الكبرياء أن تسيل .
فقال : ياأمير المؤمنين عائد بك من الظلم .
زوى عمر رضى الله عنه مابين عينيه غضبا , وأقبل على الرجل يطمئنه : عذت معاذا , أى لجأت إلى مايحميك .
قال الرجل فى حزن : سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته , فجعل يضربنى بالسوط , ويقول : أنا ابن الأكرمين .
كتب عمر إلى عمرو بن العاص رضى الله عنهما يأمره بالقدوم هو وابنه , فقدم يتبعه ابنه .
وقف عمر رضى الله عنه صائحا : أين المصرى ؟
تقدم الرجل فى خطى متقاربة ترتجف من هول الموقف .
فقال عمر رضى الله عنه فى عزة : خذ السوط فاضرب .
أمسك الرجل بالسوط , وأرسله إلى السماء , ثم هوى به على ظهر ابن عمرو بن العاص الذى شد إلى جذع نخلة , وعمر يقف بجوار المصرى يقول له : اضرب ابن الأكرمين .
قال أنس رضى الله عنه : فضرب والله ! لقد ضربه ونحن نحب ضربه , فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه .
ثم قال عمر رضى الله عنه : ضع على صلعة عمرو .
فقال الرجل : ياأمير المؤمنين إنما ابنه الذى ضربنى , وقد استقدت منه .
نظر عمر لعمرو رضى الله عنهما وقال : منذ كم استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟!
فقال عمرو رضى الله عنه وقد طأطأ رأسه : ياأمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتنى .
القصة الثامنة والخمسين
حكمت فعدلت
أرسل قيصر رسولا إلى عمر رضى الله عنه لينظر أحواله وأفعاله , فلما دخل المدينة لم يجد قصرا ولابيتا يدل على أن هنا ملكا , فسأل أهل المدينة : أين ملككم ؟
قالوا : مالنا ملك , بل لنا أمير قد خرج إلى ظاهر المدينة .
فخرج الرسول فى طلب عمر رضى الله عنه , فوجده نائما فى ظل شجرة يفترش الأرض , واضعا رأسه على درته , وليس عنده حارس .
فلما رآه على هذه الحالة , وقع الخشوع فى قلبه .
رجل لايقر للملوك قرار من هيبته , وتكون هذه حالته !
ولكنت عدلت فأمنت فنمت ياعمر , وملكنا يجور فلا جرم أنه لايزال ساهرا خائفا , أشهد أن دينك الدين الحق , ولولا أننى أتيت رسولا لأسلمت ولكنى أعود وأسلم .
القصة التاسعة والخمسين
عمر رضى الله عنه يقبل ولده
استعمل عمر رضى الله عنه رجلا من بنى أسد على بلد , فجاء يأخذ عهده بالولاية , فأتى عمر ببعض ولده وقبله .
قال الأسدى متعجبا : أتقبل هذا ياأمير المؤمنين !! والله ماقبلت ولدا قط .
فلما رأى عمر رضى الله عنه غلظة الرجل قال : فأنت والله بالناس أقل رحمة , هات عهدنا لاتعمل لى عمل أبدا .
القصة الستين
عمر رضى الله عنه يجلد ابنه
فى ليلة حالكة السواد , طاف الشيطان فيها برأس عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب وأبى سروعة عقبة بن الحارث , فأدارا بين أيديهم شرابا , فشربا حتى سكرا , فلما أصبحا , انطلقا يهرولان إلى عمرو بن العاص رضى الله عنه وهو أمير مصر .
فقالا فى بكاء ونحيب :طهرنا , فإنا قد سكرنا من شراب شربناه .
قال عمر ابن العاص رضى الله عنه : ادخلا الدار أطهركما .
فدخلا الدار , وحلقا رأسهما , ثم جلدا , ولما سمع عمر بن الخطاب رضى الله عنه بذلك , فكتب إلى عمرو ابن العاص رضى الله عنه : ان ابعث إلى بعبد الرحمن على قتب ( رحل صغير على قد سنام البعير ) , ففعل ذلك , وعندما قدم على عمر رضى الله عنه جلده وعاقبه لمكانه منه , ولم يطبق عليه الحد مرة أخرى , ثم أرسله فلبث شهرا صحيحا , ثم أصابه قدرة فمات
قصّة مجنون ليلى
يُقال إنّ قيس وليلى كانا من أبناء العمومة؛ حيث تربّى قيس وليلى سويّاً، وكانا يرعيان الأغنام معاً، فأغرما ببعضهما منذ الطفولة، وعندما كبرت ليلى حُجبت عن قيس ولم تعد تراه، فهذه إحدى عادات العرب عندما تكبر الفتاة، وذلك سبّب لقيس الألم؛ حيث زاد اشتياقه وحبّه يوماً بعد يوم. مرّت الأيام وحبّ ليلى يزداد في قلب قيس، فهام على وجهه في الصحراء، وبدأ يقول الشعر بليلى -الذي خلّده التاريخ لاحقاً وأصبح منارةً لكلّ محب وعاشق- ثمّ قرر أن يتقّدم لخطبتها، فجمع لها مهراً كبيراً، ولكنّه تفاجأ برفض أهلها له وذلك لمعرفتهم بقصّته معها وبعشقه لها من قبل وذلك ما ترفضه عاداتهم لاعتبار ذلك عار على العائلة، وهناك بعض الروايات التي تقول إنّ السبب الرئيسي في رفض والد ليلى لقيس هو بعض الخلافات بينه وبين والد قيس؛ حيث إنّ عائلة ليلى كانت تعتقد أنّ عائلة قيس قد أخذت حقّها بالميراث، حتّى أن ابا ليلى لم يجد ما يطعم أهل بيته، ولكنّ أغلب المؤرّخين رجّحوا السبب الأوّل في عدم قبول والد ليلى بزواج ابنته من قيس. في الوقت نفسه تقدّم رجلٌ آخر لخطبة ليلى من أهلها، وكان هذا الرجل من قبيله ثقيف؛ حيث قدّم لأهلها مهراً يُقدّر بعشرٍ من الإبل، فاغتم أبو ليلى الفرصة وجبر ابنته على القبول بهذا الزواج، علماً أنّ قيس قد قدّم لها ما يقارب الخمسين من الإبل مهراً لها. تزوّجت ليلى رغماً عنها ورحلت مع زوجها إلى الطائف، وما إن شعر قيس أنّ ليلى ابتعدت عنه هام على وجهه في الصحراء الواسعة، وبدأ يُنشدها شعراً، ويتغنّى بحبّه العذري لها، وكان كثير الترحال؛ حيث يراه الناس مرّةً في الشام، ومرّةً في الحجاز، وأخرى في نجد. ويذكر المؤرّخون والكُتّاب أنّ قيس جاء إلى زوج ليلى يوماً فوجده جالساً بين رجالٍ من قومه، وكان ذلك اليوم شديد البرد، فأنشده قائلاً: بربّك هل ضممت إليك ليلى قبيل الصبح أو قبّلت فاها وهل رفّت عليك قرون ليلى رفيف الأقحوانة في نداها كأنّ قرنفلاً وسحيقَ مِسك وصوب الغانيات قد شملن فاها فقال له ورد: أما إذ حلّفتني فنعم. فقبض قيس المجنون بليلى كلتا يديه على النار، ولم يتركها حتّى سقط مغشيّاً عليه. نهاية قيس بن الملوّح وُجد قيس ميتاً في الصحراء بين الحجارة، ويُقال إنّ امرأةً من قومه كانت تذهب إليه بالطعام يوميّاً، فتضعه في مكان معين دون أن ترى قيس، وعند عودتها في اليوم التالي إن وجدت الطعام ناقصاً علمت أنّ قيس أكل منه وما زال حبّاً، إلى أن جاء يوم وضعت فيه الطعام فعادت مرّةً أخرى وجدته كما هو فعلمت أنّ قيس قد مات، فأخبرت رجال القبيلة بأمر قيس. خرج رجال القبيلة يبحثون عن قيس فوجدوه ملقىً بين الصخور وقد فارق الحياة، ولكنّه ترك له أثراً على إحدى الصخور بكتابة بيت من الشعر قال فيه: توَسَّدَ أحْجَارَ المَهَامِة وَالْقَفْرِ وَمَاتَ جَريحَ القَلب مَنْدَمِلَ الصَّدْرِ فيا ليت هذا الحب يعشق مرة فيعلم ما يلقى المحب من الهجر.
قصّة العشق الدفين
كان رجلٌ من رجال البادية متزوّجاً من امرأةٍ أحبّها، وكانت هذه المرأة متزوّجةً قبله برجلٍ آخر وأنجبت منه طفلاً، وبعد فترة من زواجهما شعر الرجل أنّ زوجته لا تحبّه ولا تشعر به، ولا تكلّمه في أغلب الأحيان؛ حيث إنّه لم يكن يراها تضحك أو تبتسم حتّى، وتراودت الشكوك إليه بأنّ زوجته تحب شخصاً آخر، وتكنّ له مشاعر تخفيها عنه. احتار الرجل في أمر زوجته فلجأ إلى عجوز كانت تقطن في البادية تُعرف بأنّها حكيمة، وحدّثها بقصّته، وطلب منها أن تجد له حلّاً كي يبعد الشكوك عنه، وكي يتأكّد من حب زوجته له، فقالت له العجوز: يجب أن تصطاد أفعى، وتخيط فمها، وتضعها فوق صدرك أثناء النوم، وعندما تأتي زوجتك كي توقظك تصنّع بأنّك مت. في صباح اليوم التالي استجاب الزوج لطلب العجوز، وفعل ما أمرته به، فحين جاءت زوجته لتوقظه لم يتحرّك أو ينهض، واعتقدت أن الأفعى لدغت زوجها ومات، فبدأت بالصراخ على ابنها (زيد) كي يأتي إليها، وقالت القصيدة التالية: يا زيد رد الزمـل باهـل عبرتـي على أبوك عيني ما يبطل هميلهـا أعليت كم من سابقٍ قـد عثرتهـا بعود القنا والخيل عجـل جفيلهـا وأعليت كم من هجمةٍ قد شعيتهـا صباح .. وإلّا شعتها من مقيلهـا وأعليت كم من خفرةٍ في غيا الصبا تمنّاك يا وافي الخصايـل حليلهـا سقّاي ذود الجار اليا غاب جـاره وأخو جارته لا غاب عنها حليلهـا لا مرخٍ عينـه يطالـع زولهـا ولا سايـلٍ عنهـا ولا مستسيلهـا بعد سماع الزوج لهذه القصيدة من زوجته تأكّد من مشاعرها تجاهه، وعرف قيمة حبّها له الّذي كانت تُخبّئه خجلاً منه، فقام من الفراش وهو فرحاً ليقول لها أنا لم أمت. خجلت الزوجة عندما كشفت حبّها ومشاعرها لزوجها، وعندما علمت أنّ زوجها كان يخدعها ولم يمت غضبت وأقسمت بألّا تعود إليه إلّا إذا وافق على الشروط التي قامت بطلبها؛ حيث كان الشرط الأول أن يُكلّم الحجر الحجر، والشرط الثاني أن يُكلّم العود العود، فاحتار الزوج وأصيب بالخيبة. بعد حيرةٍ كبيرة ذهب الزوج إلى العجوز مرّةً أخرى، وقال لها ما طلبته زوجته، فقالت العجوز أحضر الرّحى؛ فهي عندما تلتفت حولها تصدر صوتاً؛ حيث يُكلّم نصفها نصفها الآخر، وأحضر الربابة ففيها تكلّم الأعواد بعضها، فإن كانت زوجتك تحبك وتريد الرجوع إليك سوف ترجع، ففعل الزوج ما طُلب منه، وعادت زوجته له كما تمنّى.
قصة فتاة الانترنت
تدور احداث القصة فى بيت صغير يعيش اهله مرارة الغربة ولكن احداث القصة لم تكن لتختار من افراد هده العائلة الافتاة قد بلغت السادسة عشر من عمرها،تدعى اميرة كانت اميرة فتاة محبوبة من جميع صديقاتها،لم تعرف العداوة طريقا الى حياتها،عاشت فترة المراهقة فى هدوء ،كانت ترى صديقاتها كيف يعشن مراهقتهن"واحدة تحب للمرة الثالثة واخرى تعشق ابن الجيران وتلك متيمة بمن هو فى عمر ابيها،ولم تكن تقتنع بالحب ابدا وكانت كلما قالت لها صديقاتها عن معاناتهن مع احبابهن تضحك....!! كانت اميرة تعيش عصر الانترنت كانت مولعة به وتجلس عليه بالساعات دون كلل او ملل بل انه كاد ان ينفصل قلبها عن جسمها عندما يفصل خط الانترنت!!كانت تحب مواقع العجائب والغرائب وتجوب انحاء الانترنت بحثا عنها وكانت تحب محادثة صديقاتها عن طريق الانترنت وتجد فى دلك المتعة اكثر من مجرد محادثتهن عبر الهاتف او على الطبيعة.. فى يوم من الايام كانت اميرة تمارس كالعادة هوايتها المفضلة وتجوب الانترنت من موقع لاخر وفى نفس الوقت تحادث تحادث صديقاتها فى المدرسة عندما قالت لها سأعرفك على فتاة تعرفت عليها على الانترنت وسوف تحبينها للغاية،كانت اميرة ترفض محادثة الشباب عن طرييق الانترنت لانها كانت تعتبره غير مناسبا وخيانة لثقة اهلها بها فوافقت اميرة على ان تحادث الفتاة فقد كانت تحب اقامة صداقات مع فتيات من جميع انحاء العالم وفعلا تعرفت عليها فوجدت فيها الفتاة الخلوقة المتدينة،وثقت بها ثقة عمياء وكانت تحادثها لساعات وساعات لتزداد اعجابا بالفتاة وسلوكها وأدبها الجم وافكارها الرائعة عن السياسة والدين وكل شئ. انتهت المحادثة هنا...لتحس اميرة ان هناك شئ تغير بها...لقد احبته اميرة ها قد طرقت سهام الحب قلبها ولكنها لاتحادث اى شاب عن طريق لانترنت وفى نفس الوقت ترغب بالتحدث اليه فقررت ان تحادثه بطريقة عادية وكأنه فتاة وان تحبه بقلبها وتكتم حبه ولا تخبره به .وتمر الايام وكلا منهما يزداد تعلقا بالاخر حتى اتى يوم مرضت فيه اميرة مرضا اقعدها اسبوعا فى الفراش وعندما شفيت هرعت ع الانترنت كما يهرع الظمان لشربة ماء لتجد بريدها الالكترونى مملوء بالرسائل وكلها رسائل شوق وغرام...وعندما حادثته سألها:لما تركتينى وهجرتينى،قالت له:كنت مريضة،قال لها هل تحبينى؟؟ وهنا ضعفت اميرة وقالت للمرة الاولى فى حياتها:نعم احبك وافكر بك كثيرا...وهنا طار الشاب من الفرحة فأخيرا احبته حبيبة قلبه وفى نفس الوقت بدأالصراع فى قلب اميرة:لقد خنت ثقة اهلى بى لقد غدرت بالانسان اللى ربانى ولم ابه للجهد الدى افناه من اجلى ومن اجل الاتخون ثقته نهضت اميرة من سريرها فى منتصف الليل لتكتبتلك الرسالة"يشهد الله انى احببتك وأنك اول حب فى حياتى وانى لم ارى منك الا كل طيب ولكنى احب الله اكثر من اى مخلوق وقد امر الله ألايكون هناك علاقة بين الشاب والفتاة قبل الزواج وانا لا اريد عصيان امر خالقى ولا ارغب بخيانة ثقة اهلى بى فقررت أن اكتب لك تلك الرسالة الاخيرة وقد تعتقد انى لااريدك ولكننى مازلت احبك وانا اكتب الكلمات وقلبى يتشقق من الحزن لكن ليكن املنا بالله كبيرا ولو اراد ان يتم شملنا رغم بعد المسافات واعلم اننا تركنا بعضنا من اجل الله كما قال الرسول"صلى الله عليه وسلم"ان من ترك شيئا لوجد الله ابدله بما هو خير فان كان لقائنا خير فسيحدث فلاتنسانى لاننى لن انساك واعدك انك حبيبى الاول والاخير مع السلامة"كتبت اميرة الرسالة وبعثتها له وهرعت مسرعة تبكى الما ووجعا ولكنها فى نفس الوقت مقتنعة بأن مافعلته هو الصواب بعينه وتمر السنين واصبحت اميرة فى العشرين من عمرها ومازال حب الفتى متربعا على عرش قلبها بلا منازع رغم محاولة الكثيرين اختراقه ولكن لافائدة لم تستطع ان تحب غيره وتنتقل اميرة للدراسة بالجامعة حيث الوطن الحبيب ومعها اهلها حيث اقيل اباها من العمل فكان لابد للعائلة من الانتقال للوطن وهناك فى الجامعة كانت تدرس هندسة اتصالات وكانت تبععث الجامعة وفود الى معارض الاتصالات ليتعرفوا على طبيعة عملهم المستقبلى واختارت الجامعة وفدا لمعرض الاتصالات وكانت اميرة من ضمنه واثناء التجول فى المعرض توقفوا عند شركة من الشركات التى تعرض منتجاتها وبدأوا التعرف على كل منتج وتنسى اميرة دفتر محاضراتها على الطاولة التى تعرض عليها الشركة منتجاتها فيأخد الشاب العامل بالشركة الدفتر ويلحقها به لكنها تضيع عن ناظره فقرر الاحتفاظ به فربما ترجع صاحبته للسؤال عنه ويجلس الشاب وبيده الدفتر والساعة تشير للحادية عشرة ليلا وقد خلا المعرض من الزبائن وبينما هو الشاب جالس راودته فكرة تصفح الدفتر ليجد على احد اوراقه اسم بريد الكترونى.تفاجأ الشاب من الفرحة وراح يقلب صفحاته ليجد اسم اميرة فيطير من الفرحة وراح يركض ويقفز فى انحاء المعرض ثم رجع للبيت ويعجز عن النوم كيف ينام وقد عادت اميرة لتملأ عليه حياته من جديد وفى صبيحة اليوم التالى يهرع للمعرض املا فى أن تأتى اميرة من اجل دفترها وفعلا تأتى اميرة وعندما رأها كاد ان يسقط من الفرحة فلم يكن يتوقع أن يخفق قلبه لفتاة فى جمالها فأعطاها الدفتر وهو يتأمل فى ملامحها وهى مندهشة منه فشكرته بلسانها ولكنها فى قرارة نفسها كانت تقول عنه انه اخرق لانه لم ينزل عينيه عن وجهها!!وراحت اميرة ليلحقها الشاب الى بيتها فينتظرها حتى دخلت وراح يسأل الجيران عنها وعن اهلها وعرف انهم اناس متسامحون جدا... وابنتهم فتاة طيبة لم تعرف الابسمعتها الحسنة...فجاء اليوم التالى ومعه اهله ليخطبها فهو لايريد أن يضيع لحظة دونها وقد وجدوه اهلها عريس مناسب لابنتهم فهو طيب الاخلاق ومتدين وسمعته حسنة ولكن اميرة رفضته كما رفضت من قبله لان قلبها لم يدق الامرة واحدة ولن يخفق مرة اخرى وخاب امل اهلها وأخبروا الشاب برفض اميرة له ولكنه رفض ردهم قائلا:لن اخرج من البيت حتى اتحدث اليها وأمام رغبة الشاب وافق الاهل بشرط أن يتم الحديث امام ناظريهم. وجاءت اميرة وجلست فقال لها:اميرة ألم تعرفينى..فقالت له:ومن اين لى ان اعرفك...؟!؟ قال لها:من التى رفضت التحدث معى حتى لاتخون ثقة اهلها بها...عندها اغمى عليها من هول الصدمة والفرحة فنقلت للمستشفى لتستيقظ وتراه واقفا امامها ..وعندها ادارت وجهها لأبيها قائلة:انا موافقة ياأبى أنا موافقة....
القاتل الذى رفضت المشنقة اعدامه
قصة حقيقة حصلت في انجلترا لمواطن يدعى "جون لى " نشا في اسرة فقيرة لدية اخت غير شقيقة من والداتة المتوفاه .
جون طلب من اختة ان تسعى له وتتوسط للعمل عند مخدوماتها الانسة كيز والتى كانت قد بلغت من العمر ارزلا وتعيش في المنزل وحدها حيث تخدمها اخت جون لى بالاضافة لخادمتين اخرتين وقد عمل جون لى كخادم في الاسطبل والاعتناء بالتشجير في الحديقة .
ومر وقت قصير حتى طردت انسة كيز .جون لى بسبب قيامة بسرقة بعض من اغراضها ثم عمل في الاسطول الملكى ولكن ما لبس ان طردوه من الخدمة بسبب عدم انضباطة , حاول العمل في عدد من الفنادق كخادم الا انه طرد منها جميع بسبب اصراره على السرقة .
طلب من اختة التوسط مرة اخرى للعمل عند انسة كيز وقد اعطته السيدة الطيبة فرصة اخرى للعمل عندها كخادم . ولكن عاد جون لعادتة القديمة وسرق مرة اخرى بعض حاجيات الانسة كيز فقامت باستقطاع مرتبة والخصم منه فثارت ثائرتة وسمعته بعض الخادمات يتكلم عل الانتقام من مخدومتة الانسة كيز .
وفي يوم كانت الانسة كيز خارجة من مكتبها ومتوجهه الى الاسفل في الدور الارضى حتى هاجمها شخص مجهول من خلفها وضربها بقطعه حديد كانت تستخدم لتقليب الحطب في الموقد ثم قام بجز رقبتها بسكين كان يستخدم في تنسيق الاشجار وهذة كلها ادوات يستخدمها جون في عمله , ولم يكتفي المهاجم بذلك بل قام بسكب الكيروسين وحرق الجثة والدور الارضى مما ادى ال استيقاظ الخادمات وقتها هرع جون يطلب المساعده من الجيران وقال لهم ان الانسة كيز قد ماتت رغم انه من المفترض انه لم يراها .
ثم دخل المنزل لانقاذ اختة والخادمات ولاحظت احدى الخادمات ان يدية بها جرح قد ادعى بعد ذلك انه جرح عندما حاول كسر الزجاج لانقاذ الخادمة غير ان التحريات اثبتت ان الزجاج تم كسره من الداخل وليس من الخارج .
قضت المحكمة باعدام جون وقد كان جون وقتها هادئا متبلد المشاعر ونطق بكلمة واحدة "يعلم الله اننى برئ "
وفي ليلة التنفيذ جلبو له اخر عشاء له فتناولة بنهم وبشهية مفتوحة وكان هدوءه غير طبيعى . وعندما حانت لحظة تنفيذ الاعدام لم يقاوم ولم يبكى او يصرخ بل مشي مع الحراس بثقة وبهدؤ تام . وعندما هم الجلاد باعدامة امام الناس لاحظ ان عصا المشنقة لا تتحرك لفتح الباب السفلى فتسقط جسدة وتلتف حولة انشوطة الاعدام فتكسر رقبتة.
ابعدوه من امام المشنقة وطلبو الميكانيكى ليصلحها , ولكن الميكانيكى وجدها سليمة وتعمل بلا مشاكل , فجربو اعدامه مرة اخرى ولكن الزراع ابي ان يتحرك , فقال لهم الم اقل لكم يعلم الله انى برئ , فبث الخوف في نفوس الناس بل والضباط الذين ينفذون الحكم انفسهم فقامو باعادته وارجاعه للسجن لحين اصلاح الميكانيكى للمشنقة والوقوف على سبب عطلها , وفي اليوم التالى حاولو شنقة وفشلو للمرة الثالثة فارسلو الامر الى مدير السجن الذي رفع الامر الى المراجعه العليا بلندن وقد جاء الرد عليه بالغاء حكم الاعدام والاكتفاء بسجنة مؤبد
قصة العفريته بيسه
هذه قصة مرعبة باللهجة المصرية الاخوه العرب الاخرين قد يجدون بعض الصعوبة في فهم بعض الكلمات ولكنها حدثت بالفعل يروها احد الاصدقاء علي لسانه ما حدث بالتفاصيل حيث تجده تكلم بالمصري الدارج .
كان عندنا من قيمة 5 سنين كده او اكتر سوق صغير او ناس بتقف تبيع حاجات يعنى قدام التُرب “المقابر” .. لان الترب كانت فى مساكن شعبيه وكده ..
المهم كان فى واحده مجنونه اسمها بيسه .. كانت عايشه فى التُرب دى .. بس كلهم كانوا فاكرينها عفريته .. عشان كده كانت بتطلع تاخد اى حاجه من على اى عربيه من غير ما حد يفتح بوئه وكأنه مش شايفها اصلا ..
فى يوم دخل بياع جديد السوق ده .. وجات بيسه دى تاخد حاجه من على عربيته .. شخط فيها وقالها غورى يا بت من هنا يلا .. وفجأة شاف ذهول من السوق كله .. كلهم متنحين .. وبيسه جريت على التُرب .. اول ما بيسه جرت كلهم بسرعه جدا لموا فرشتهم وجروا كل واحد يروّح بيته ..
تانى يوم الصبح .. سأل البياع الجديد ده على اللى حصل .. فى ايه يا جدعان ايه اللى حصل ده! قالوله انت مجنون انت ما تعرفش انت عملت ايه!! دى بيسه خدامة الناس اللى جوه ( يقصد الناس اللى جوه الجن والعفاريت ) . هى اللى بتدخل تجيبلهم اكلهم وشربهم وتطبخلهم .
كانت ردة فعل البياع الجديد ده اتعصب جدا لا اراديه وقال : انتوا مجانين ولا مبرشمين! هو فى ميتين بياكلوا ويشربوا يا ولاد المجنونة!!
قالوله طب استحمل بقى اللى هتعمله فيك يا حدق .. قالهم لا انا مش هستنى هى اللى تعمل انا اللى هدخلها ..
كلهم اتفاجئوا من قراره ده .. لدرجة انهم افتكروه بيهزر .. وقالهم لا ما بهزرش .. بس تدونى كام لو دخلت لحد قبر بيسه ؟
قالوله هنخليك كبير السوق وعربيتك تبقى اول عربيه .. بس تاخد الوتد ده “خشبه بتدق فى الارض” دقه جمب قبر بيسه عشان تثبتلنا انك دخلت .. قالهم تمام وخلاص اتفقوا ..
فى نفس اليوم بليل .. دخل البياع الجديد ده .. ووصل لحد قبر بيسه كان لابس جلابيه .. وحط الوتد فى الارض وبدا يدق عليه .. بس من الضلمه ماخدش باله انه بيدق الوتد على الجلابيه .. خلص دق وثبت الوتد فى الارض وطبعا الجلابيه فى النص .. وقام يمشى .. لقى اللى بيشده “الجلابيه ثابته فى الارض”..
خاف جداً .. وخاف اكتر يبص وراه يشوف ايه اللى بيشده ده .. قرر يستخدم قوته ويجرى وكل ما يجرى مايعرفش يتحرك “ومن خوفه” قلبه وقف ومات ..
المهم كان فى واحده مجنونه اسمها بيسه .. كانت عايشه فى التُرب دى .. بس كلهم كانوا فاكرينها عفريته .. عشان كده كانت بتطلع تاخد اى حاجه من على اى عربيه من غير ما حد يفتح بوئه وكأنه مش شايفها اصلا ..
فى يوم دخل بياع جديد السوق ده .. وجات بيسه دى تاخد حاجه من على عربيته .. شخط فيها وقالها غورى يا بت من هنا يلا .. وفجأة شاف ذهول من السوق كله .. كلهم متنحين .. وبيسه جريت على التُرب .. اول ما بيسه جرت كلهم بسرعه جدا لموا فرشتهم وجروا كل واحد يروّح بيته ..
تانى يوم الصبح .. سأل البياع الجديد ده على اللى حصل .. فى ايه يا جدعان ايه اللى حصل ده! قالوله انت مجنون انت ما تعرفش انت عملت ايه!! دى بيسه خدامة الناس اللى جوه ( يقصد الناس اللى جوه الجن والعفاريت ) . هى اللى بتدخل تجيبلهم اكلهم وشربهم وتطبخلهم .
كانت ردة فعل البياع الجديد ده اتعصب جدا لا اراديه وقال : انتوا مجانين ولا مبرشمين! هو فى ميتين بياكلوا ويشربوا يا ولاد المجنونة!!
قالوله طب استحمل بقى اللى هتعمله فيك يا حدق .. قالهم لا انا مش هستنى هى اللى تعمل انا اللى هدخلها ..
كلهم اتفاجئوا من قراره ده .. لدرجة انهم افتكروه بيهزر .. وقالهم لا ما بهزرش .. بس تدونى كام لو دخلت لحد قبر بيسه ؟
قالوله هنخليك كبير السوق وعربيتك تبقى اول عربيه .. بس تاخد الوتد ده “خشبه بتدق فى الارض” دقه جمب قبر بيسه عشان تثبتلنا انك دخلت .. قالهم تمام وخلاص اتفقوا ..
فى نفس اليوم بليل .. دخل البياع الجديد ده .. ووصل لحد قبر بيسه كان لابس جلابيه .. وحط الوتد فى الارض وبدا يدق عليه .. بس من الضلمه ماخدش باله انه بيدق الوتد على الجلابيه .. خلص دق وثبت الوتد فى الارض وطبعا الجلابيه فى النص .. وقام يمشى .. لقى اللى بيشده “الجلابيه ثابته فى الارض”..
خاف جداً .. وخاف اكتر يبص وراه يشوف ايه اللى بيشده ده .. قرر يستخدم قوته ويجرى وكل ما يجرى مايعرفش يتحرك “ومن خوفه” قلبه وقف ومات ..
مات من المجهول مات من خوفه من المجهول .. لو حد سئل البياع الجديد ده انت عيشت عشان ايه هيقولهم ما اعرفش .. ولو حد سأله طب موت ليه؟ هيقولهم بردوا ماعرفش ..
ما تعملش للمجهول قيمه .. لان بمجرد مواجهتك ليه هتنتهى كل مخاوفك منه .. وللعلم .. البياعين اللى فى السوق هما اللى كانوا عاملين قبر بيسه باديهم .. وعارفين ان مافيش حد مدفون فيه .. واقنعوا نفسهم انها عفريته وان فى حد مدفون فى القبر ..!
ما تعملش للمجهول قيمه .. لان بمجرد مواجهتك ليه هتنتهى كل مخاوفك منه .. وللعلم .. البياعين اللى فى السوق هما اللى كانوا عاملين قبر بيسه باديهم .. وعارفين ان مافيش حد مدفون فيه .. واقنعوا نفسهم انها عفريته وان فى حد مدفون فى القبر ..!
قصة واقعية مؤثرة فتاة تأخرت فى سن الزواج
أجمل قصة واقعية مؤثرة فتاة تأخرت فى سن الزواج
قصة واقعية مؤثرة قصة فتاة لن تتزوج وتأخر سنها فى الزواج فترة طويلة تقول هذه الفتاة انى تخرجت من الجامعة وبدأ الخطاب يتقدمون لكنى لم اجد الشخص الذى احلم به ولا اجد الشخص الذى اريد ان ارتبط به ثم فكرت ان الجأ الى العمل لكى اضيع وقتى فى العمل وبدأت بالفعل فى العمل لمدة سنوات طويلة حتى بلغت سن الرابعة والثلاثين وكانت مشكلتى هى تأخر الزواج وفى يوم تقدم شاب لكى يخطبنى ولكن كانت ظروفه صعبة وكان اكبر منى بعامين فقط ولكنى وافقت على هذا الشاب بسبب كبر السن وتأخر زواجى وتمت الخطبة وحان وقت كتب الكتاب طلب منى صورة البطاقه الشخصية حتى يتم كتب الكتاب فاعطيتها له ولكن حدث شىء غريب بعد يوم من اعطاء الصورة لخطيبى تتصل بى والدته وتريد ان تقابلنى فى اسرع وقت لم كنت اعرف ماذا تريد ذهبت اليها واخرجت صورة البطاقة وقالت لى هل تاريخ ميلادك الذى فى البطاقة هذا صحيح ……
قلت له نعم هذا هو تاريخ ميلادى الصحيح قالت ليا اذا انتى قربتى فى الاربعين من عمرك وفسخت الخطبة وقالت لها انا اريد ان اشوف احفادى وابنى يتزوج عروس صغيرة السن وتم فسخ الخطبة حزنت حزن شديد جدا وذهبت الى ان اقوم بعمل عمرة وذهبت الى بيت الله وجلست ادعى وابكى وبعد الانتهاء من الدعاء سمعت صوت امرأة وهى تقرأ القران صوتها جميل وكانت تردد هذة الايه ( وكان فضل الله عليك عظيمأ) وكانت دموعى تسيل بغزارة وكانت تردد هذه الاية الاخرى (ولسوف يعطيك ربك فترضى ) كان احساس جميل وانا اسمع صوتها الرائع وهذه الايات الرائعه وانتهيت من وقت العمرة وغادرت الى بلدى وانا فى الطائره كنت اجلس بجوار شاب وتم وصول الطائرة الى المطار ونزلت ووجدت زوج صديقتى امامى قلت له عما جاء به الى المطار قال لى انتظر صديق عائد فى نفس الطائرة فوجدت الصديق الذى ينتظرة هو الصديق الذى كان يجلس بجانبى فى الطائره
وثم غدرت المكان وذهبت الى منزلى ووجدت صديقتى تتصل بى وتقول ان صديق زوجها الذى كان بجانبى فى الطائرة معجب بيا بشدة ويرغب ان يرانى استشرت ابى وذهبت الى بيت صديقتى وكان هذا الشاب معجب بيا وتقدم لخطبتى وبعدها بفترى قصيره تزوجت هذا الشاب كان قلبى سعيد وكنت احبة بجنون
وكان زوجى حنون وبر بأهله ويحبنى كثيرأ ومضت الشهور وتم التفكير فى موضوع الحمل وطلبت من زوجى ان اقوم ببعض التحاليل بسبب تأخر الانجاب
فذهبت الى دكتورة لتقول ليا على التحاليل واعرف سبب تأخر الحمل وقمت بعمل التحاليل ويوم موعد تسليم التحليل ذهبت الى الدكتورة فوجئت بها وهى تقول ليا مبروك انتى حامل كنت سعيدا جداا بهذا الخبر وتم بحمد لله شهور الحمل بسلام ولكن كان بطنى يكبر بطريقه غريبة كنت لا اريد ان اعرف بنت ولا ولد لان كل ما يعطينى ربى فهو خير وثم جاء موعد الولادة وتمت الولادة وبعد ما افقت قالت ليا الدكتورة ان ربنا كرمنى 3 اطفال … يا الله قالت ليا الله رزقك بثلاث اطفال (الحسن والحين وفاطمة )
كان اجمل خبرة كانت فرحتى قوية جدا لن كنت اصدق الله يرزقنى بثلاث اطفال وبكيت من الفرحه (ولسوف يعطيك ربك فترضى )
الدروس المستفادة من قصة فتاة تأخرت فى سن الزواج
- الزوج الصالح نعمة من عند الله
- ولسوف يعطيك ربك فترضى
- اثق بأن الله قريب جدا وسيرزقك قريب
- زينوا قلوبكم بالصبر يرزقكم الله كل شىء جميل
- ان الله لا يبتليك بشىء إلا وبه خير لك
- سلم امرك لله وسيرزقك الفرح قريب
اللهم ارزق كل فتاة الزوج الصالح
اللهم ارزق كل زوجة الذريه الصالحة اللهم امين
قصة الفتاة القبيحة
قصة الفتاة القبيحة
فى يوم من الايام كان هناك فتاة اسمها دلال انعم الله عليها بصوت جميل جدا ينبهر به كل من يسمعه و يعشقة و لكن هذة الفتاة للاسف كانت تستغل صوتها اشر استغلال و كنت دائما ما اقوم بنصحها الا تفعل هذا و لكنها لا تستعجب ابدا .. و كانت دلال على الرغم من روعة و رقة صوتها الا ان ملامحها كانت فى غاية القبح فلم تكن جميلة على الاطلاق و كانت دائما ما تحادث الشباب فى الهاتف و لكنها ترفض دائما مقابلة احدهما لانها تعلم انها قبيحة .. حتى جاء اليوم الذى طلب فيه احدهم رؤيتها و اصر كثيرا على ذلك و كانت دلال تحب هذا الشباب كثيرا او هكذا خيل اليها وقتها و حاولت كثيرا التمنع و الرفض و خلق الحجج و الاعذار و لكنه لم يقبل ابدا و اصر على اللقاء و هددها بالهجر و المقاطعة ان لم تستجب لطلبه .
توسلت اليه كثيرا الا يتركها و لكنه خيرها بين هذا اللقاء و بين الفراق . خطر على بالها ان تستشير احدى صديقاتها و كانت صديقة سوء من نفس طينتها فقالت لها انها يجب عليها ان تستجيب لطلبه و تقابله ان كانت تحبه حقا و اعطها الهاتف و قالت لها كلميه الان و حددى موعد اللقاء . لشدة حب دلال له تهللت اساريرها على الفور و امسكت بالهاتف و اتصلت به فرد عليها ظنا منه انها احدى صديقاته الاخريات و لكن عندما سمع صوتها قال لها ماذا تريدين فقالت انها موافقه على ان تقابله فاجابها حسنا اقابلك الساعه العاشرة و حدد المكان و اغلق الهاتف فورا .
بدات دلال فى البكاء و قالت لصديقتها انه سوف يتركها على الفور بمجرد رؤية وجهها و اخدت صديقتها فى تهدئتها و بدات تقول لها انه يحبها و لن يهتم ابدا بشكلها .
حتى جاء الوقت الموعود و انتظرته دلال و كان المكان الذى اختاره يكاد يكون مهجورا و خاليا من الناس و عندما جاء صديقها و رأها اتسعت عيناه و زمجر غاضبا و بدا يقول كلمات جارحة : انت قبيحة لا اريدك ولا احبك انت يجب ان تكونى خادمتى و ليس حبيبتى بدات دلال تبكى و تحاول ان تستعطفه و لكن قلبة لم يلين قط و تركها و ذهب مبتعدا . رجعت دلال الى بيتها تبكى من شدة الاهانة التى تعرضت لها و فى اليوم التالى ذهبت الى صديقتها التى نصحتها ان تقابله و اخدت تضربها و تسبها الا ان فرقت بينهما بعض الفتيات و رأتنى من بعيد فاتت الى مسرعة و القت نفسها فى حضنى و هى تبكى و تحكى لى ما حدث لها فجعلت اواسيها و اذكرها بالله و ان قبحها قد يكون من نعم الله عليها فلو كانت جميلة لما تركها هذا الشاب السئ و لا تعلم ما كان سيحدث لها حينها من اعتداء او غيرة و لكن الله سلم . و اخدتها الى المصلى حين هدات و قلت لها لابد ان تبدء حياة جديدة من اليوم فاخدت تصلى و تبكى و تاثرت كثيرا بكلامى و تابت الى الله ففتح الله على قلبها و هى اليوم جميلة يزينها الايمان بنوره بل اصبحت من الداعيات و لكنها تقول الى الان : اكره جميع الرجال و لن اتزوج ما حييت !
حتى جاء الوقت الموعود و انتظرته دلال و كان المكان الذى اختاره يكاد يكون مهجورا و خاليا من الناس و عندما جاء صديقها و رأها اتسعت عيناه و زمجر غاضبا و بدا يقول كلمات جارحة : انت قبيحة لا اريدك ولا احبك انت يجب ان تكونى خادمتى و ليس حبيبتى بدات دلال تبكى و تحاول ان تستعطفه و لكن قلبة لم يلين قط و تركها و ذهب مبتعدا . رجعت دلال الى بيتها تبكى من شدة الاهانة التى تعرضت لها و فى اليوم التالى ذهبت الى صديقتها التى نصحتها ان تقابله و اخدت تضربها و تسبها الا ان فرقت بينهما بعض الفتيات و رأتنى من بعيد فاتت الى مسرعة و القت نفسها فى حضنى و هى تبكى و تحكى لى ما حدث لها فجعلت اواسيها و اذكرها بالله و ان قبحها قد يكون من نعم الله عليها فلو كانت جميلة لما تركها هذا الشاب السئ و لا تعلم ما كان سيحدث لها حينها من اعتداء او غيرة و لكن الله سلم . و اخدتها الى المصلى حين هدات و قلت لها لابد ان تبدء حياة جديدة من اليوم فاخدت تصلى و تبكى و تاثرت كثيرا بكلامى و تابت الى الله ففتح الله على قلبها و هى اليوم جميلة يزينها الايمان بنوره بل اصبحت من الداعيات و لكنها تقول الى الان : اكره جميع الرجال و لن اتزوج ما حييت !
قصة يوسف عليه السلام
من قصص الأنبياء قصة يوسف عليه السلام
يوسف عليه السلام
نبذة:
ولد سيدنا يوسف وكان له 11 أخا وكان أبوه يحبه كثيرا وفي ذات ليلة رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين، فقص على والده ما رأى فقال له ألا يقصها على إخوته، ولكن الشيطان وسوس لإخوته فاتفقوا على أن يلقوه في غيابات الجب وادعوا أن الذئب أكله، ثم مر به ناس من البدو فأخذوه وباعوه بثمن بخس واشتراه عزيز مصر وطلب من زوجته أن ترعاه، ولكنها أخذت تراوده عن نفسه فأبى فكادت له ودخل السجن، ثم أظهر الله براءته وخرج من السجن ، واستعمله الملك على شئون الغذاء التي أحسن إدارتها في سنوات القحط، ثم اجتمع شمله مع إخوته ووالديه وخروا له سجدا وتحققت رؤياه.
سيرته:
قبل أن نبدأ بقصة يوسف عليه السلام، نود الإشارة لعدة أمور. أولها اختلاف طريقة رواية قصة يوسف عليه السلام في القرآن الكريم عن بقية قصص الأنبياء، فجاءت قصص الأنبياء في عدة سور، بينما جاءت قصة يوسف كاملة في سورة واحدة. قال تعالى في سورة (يوسف):
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (يوسف)
واختلف العلماء لم سميت هذه القصة أحسن القصص؟ قيل إنها تنفرد من بين قصص القرآن باحتوائها على عالم كامل من العبر والحكم.. وقيل لأن يوسف تجاوز عن إخوته وصبر عليهم وعفا عنهم.. وقيل لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين، والعفة والغواية، وسير الملوك والممالك، والرجال والنساء، وحيل النساء ومكرهن، وفيها ذكر التوحيد والفقه، وتعبير الرؤيا وتفسيرها، فهي سورة غنية بالمشاهد والانفعالات.. وقيل: إنها سميت أحسن القصص لأن مآل من كانوا فيها جميعا كان إلى السعادة.
ومع تقديرنا لهذه الأسباب كلها.. نعتقد أن ثمة سببا مهما يميز هذه القصة.. إنها تمضي في خط واحد منذ البداية إلى النهاية.. يلتحم مضمونها وشكلها، ويفضي بك لإحساس عميق بقهر الله وغلبته ونفاذ أحكامه رغم وقوف البشر ضدها. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) هذا ما تثبته قصة يوسف بشكل حاسم، لا ينفي حسمه أنه تم بنعومة وإعجاز.
لنمضي الآن بقصة يوسف -عليه السلام- ولنقسمها لعدد من الفصول والمشاهد ليسهل علينا تتبع الأحداث.
المشهد الأول من فصل طفوله يوسف:
ذهب يوسف الصبي الصغير لأبيه، وحكى له عن رؤيا رآها. أخبره بأنه رأى في المنام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له. استمع الأب إلى رؤيا ابنه وحذره أن يحكيها لأخوته. فلقد أدرك يعقوب -عليه السلام- بحدسه وبصيرته أن وراء هذه الرؤية شأنا عظيما لهذا الغلام. لذلك نصحه بأن لا يقص رؤياه على إخوته خشية أن يستشعورا ما وراءها لأخيهم الصغير -غير الشقيق، حيث تزوج يعقوب من امرأة ثانية أنجبت له يوسف وشقيقه- فيجد الشيطان من هذا ثغرة في نفوسهم، فتمتلئ نفوسهم بالحقد، فيدبروا له أمرا يسوؤه. استجاب يوسف لتحذير أبيه.. لم يحدث أخوته بما رأى، وأغلب الظن أنهم كانوا يكرهونه إلى الحد الذي يصعب فيه أن يطمئن إليهم ويحكي لهم دخائله الخاصة وأحلامه.
المشهد الثاني:
اجتمع أخوة يوسف يتحدثون في أمره. (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) أي نحن مجموعة قوية تدفع وتنفع، فأبونا مخطئ في تفضيل هذين الصبيين على مجموعة من الرجال النافعين! فاقترح أحدهم حلا للموضوع: (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا). إنه الحقد وتدخل الشيطان الذي ضخم حب أبيهم ليوسف وإيثاره عليهم حتى جعله يوازي القتل. أكبر جرائم الأرض قاطبة بعد الشرك بالله. وطرحه في أرض بعيدة نائية مرادف للقتل، لأنه سيموت هناك لا محاله. ولماذا هذا كله؟! حتى لا يراه أبوه فينساه فيوجه حبه كله لهم. ومن ثم يتوبون عن جريمتهم (وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ).
قال قائل منهم -حرك الله أعماقه بشفقة خفية، أو أثار الله في أعماقه رعبا من القتل: ما الداعي لقتله؟ إن كنتم تريدون الخلاص منه، فلنلقه في بئر تمر عليها القوافل.. ستلتقطه قافلة وترحل به بعيدا.. سيختفي عن وجه أبيه.. ويتحقق غرضنا من إبعاده.
انهزمت فكرة القتل، واختيرت فكرة النفي والإبعاد. نفهم من هذا أن الأخوة، رغم شرهم وحسدهم، كان في قلوبهم، أو في قلوب بعضهم، بعض خير لم يمت بعد.
المشهد الثالث:
توجه الأبناء لأبيهم يطلبون منه السماح ليوسف بمرافقتهم. دار الحوار بينهم وبين أبيهم بنعومة وعتاب خفي، وإثارة للمشاعر.. مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ ..؟ أيمكن أن يكون يوسف أخانا، وأنت تخاف عليه من بيننا ولا تستأمننا عليه، ونحن نحبه وننصح له ونرعاه؟ لماذا لا ترسله معنا يرتع ويلعب؟
وردا على العتاب الاستنكاري الأول جعل يعقوب عليه السلام ينفي -بطريقة غير مباشرة- أنه لا يأمنهم عليه، ويعلل احتجازه معه بقلة صبره على فراقه وخوفه عليه من الذئاب: قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ .
ففندوا فكرة الذئب الذي يخاف أبوه أن يأكله.. نحن عشرة من الرجال.. فهل نغفل عنه ونحن كثرة؟ نكون خاسرين غير أهل للرجولة لو وقع ذلك.. لن يأكله الذئب ولا داعي للخوف عليه.
وافق الأب تحت ضغط أبنائه.. ليتحقق قدر الله وتتم القصة كما تقتضي مشيئته!
نبذة:
ولد سيدنا يوسف وكان له 11 أخا وكان أبوه يحبه كثيرا وفي ذات ليلة رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين، فقص على والده ما رأى فقال له ألا يقصها على إخوته، ولكن الشيطان وسوس لإخوته فاتفقوا على أن يلقوه في غيابات الجب وادعوا أن الذئب أكله، ثم مر به ناس من البدو فأخذوه وباعوه بثمن بخس واشتراه عزيز مصر وطلب من زوجته أن ترعاه، ولكنها أخذت تراوده عن نفسه فأبى فكادت له ودخل السجن، ثم أظهر الله براءته وخرج من السجن ، واستعمله الملك على شئون الغذاء التي أحسن إدارتها في سنوات القحط، ثم اجتمع شمله مع إخوته ووالديه وخروا له سجدا وتحققت رؤياه.
سيرته:
قبل أن نبدأ بقصة يوسف عليه السلام، نود الإشارة لعدة أمور. أولها اختلاف طريقة رواية قصة يوسف عليه السلام في القرآن الكريم عن بقية قصص الأنبياء، فجاءت قصص الأنبياء في عدة سور، بينما جاءت قصة يوسف كاملة في سورة واحدة. قال تعالى في سورة (يوسف):
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (يوسف)
واختلف العلماء لم سميت هذه القصة أحسن القصص؟ قيل إنها تنفرد من بين قصص القرآن باحتوائها على عالم كامل من العبر والحكم.. وقيل لأن يوسف تجاوز عن إخوته وصبر عليهم وعفا عنهم.. وقيل لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين، والعفة والغواية، وسير الملوك والممالك، والرجال والنساء، وحيل النساء ومكرهن، وفيها ذكر التوحيد والفقه، وتعبير الرؤيا وتفسيرها، فهي سورة غنية بالمشاهد والانفعالات.. وقيل: إنها سميت أحسن القصص لأن مآل من كانوا فيها جميعا كان إلى السعادة.
ومع تقديرنا لهذه الأسباب كلها.. نعتقد أن ثمة سببا مهما يميز هذه القصة.. إنها تمضي في خط واحد منذ البداية إلى النهاية.. يلتحم مضمونها وشكلها، ويفضي بك لإحساس عميق بقهر الله وغلبته ونفاذ أحكامه رغم وقوف البشر ضدها. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) هذا ما تثبته قصة يوسف بشكل حاسم، لا ينفي حسمه أنه تم بنعومة وإعجاز.
لنمضي الآن بقصة يوسف -عليه السلام- ولنقسمها لعدد من الفصول والمشاهد ليسهل علينا تتبع الأحداث.
المشهد الأول من فصل طفوله يوسف:
ذهب يوسف الصبي الصغير لأبيه، وحكى له عن رؤيا رآها. أخبره بأنه رأى في المنام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له. استمع الأب إلى رؤيا ابنه وحذره أن يحكيها لأخوته. فلقد أدرك يعقوب -عليه السلام- بحدسه وبصيرته أن وراء هذه الرؤية شأنا عظيما لهذا الغلام. لذلك نصحه بأن لا يقص رؤياه على إخوته خشية أن يستشعورا ما وراءها لأخيهم الصغير -غير الشقيق، حيث تزوج يعقوب من امرأة ثانية أنجبت له يوسف وشقيقه- فيجد الشيطان من هذا ثغرة في نفوسهم، فتمتلئ نفوسهم بالحقد، فيدبروا له أمرا يسوؤه. استجاب يوسف لتحذير أبيه.. لم يحدث أخوته بما رأى، وأغلب الظن أنهم كانوا يكرهونه إلى الحد الذي يصعب فيه أن يطمئن إليهم ويحكي لهم دخائله الخاصة وأحلامه.
المشهد الثاني:
اجتمع أخوة يوسف يتحدثون في أمره. (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) أي نحن مجموعة قوية تدفع وتنفع، فأبونا مخطئ في تفضيل هذين الصبيين على مجموعة من الرجال النافعين! فاقترح أحدهم حلا للموضوع: (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا). إنه الحقد وتدخل الشيطان الذي ضخم حب أبيهم ليوسف وإيثاره عليهم حتى جعله يوازي القتل. أكبر جرائم الأرض قاطبة بعد الشرك بالله. وطرحه في أرض بعيدة نائية مرادف للقتل، لأنه سيموت هناك لا محاله. ولماذا هذا كله؟! حتى لا يراه أبوه فينساه فيوجه حبه كله لهم. ومن ثم يتوبون عن جريمتهم (وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ).
قال قائل منهم -حرك الله أعماقه بشفقة خفية، أو أثار الله في أعماقه رعبا من القتل: ما الداعي لقتله؟ إن كنتم تريدون الخلاص منه، فلنلقه في بئر تمر عليها القوافل.. ستلتقطه قافلة وترحل به بعيدا.. سيختفي عن وجه أبيه.. ويتحقق غرضنا من إبعاده.
انهزمت فكرة القتل، واختيرت فكرة النفي والإبعاد. نفهم من هذا أن الأخوة، رغم شرهم وحسدهم، كان في قلوبهم، أو في قلوب بعضهم، بعض خير لم يمت بعد.
المشهد الثالث:
توجه الأبناء لأبيهم يطلبون منه السماح ليوسف بمرافقتهم. دار الحوار بينهم وبين أبيهم بنعومة وعتاب خفي، وإثارة للمشاعر.. مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ ..؟ أيمكن أن يكون يوسف أخانا، وأنت تخاف عليه من بيننا ولا تستأمننا عليه، ونحن نحبه وننصح له ونرعاه؟ لماذا لا ترسله معنا يرتع ويلعب؟
وردا على العتاب الاستنكاري الأول جعل يعقوب عليه السلام ينفي -بطريقة غير مباشرة- أنه لا يأمنهم عليه، ويعلل احتجازه معه بقلة صبره على فراقه وخوفه عليه من الذئاب: قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ .
ففندوا فكرة الذئب الذي يخاف أبوه أن يأكله.. نحن عشرة من الرجال.. فهل نغفل عنه ونحن كثرة؟ نكون خاسرين غير أهل للرجولة لو وقع ذلك.. لن يأكله الذئب ولا داعي للخوف عليه.
وافق الأب تحت ضغط أبنائه.. ليتحقق قدر الله وتتم القصة كما تقتضي مشيئته!
المشهد الرابع:
خرج الأخوة ومعهم يوسف، وأخذوه للصحراء. اختاروا بئرا لا ينقطع عنها مرور القوافل وحملوه وهموا بإلقائه في البئر.. وأوحى الله إلى يوسف أنه ناج فلا يخاف.. وأنه سيلقاهم بعد يومهم هذا وينبئهم بما فعلوه.
المشهد الخامس:
عند العشاء جاء الأبناء باكين ليحكوا لأبيهم قصة الذئب المزعومة. أخبروه بأنهم ذهبوا يستبقون، فجاء ذئب على غفلة، وأكل يوسف. لقد ألهاهم الحقد الفائر عن سبك الكذبة، فلو كانوا أهدأ أعصابا ما فعلوها من المرة الأولى التي يأذن لهم فيها يعقوب باصطحاب يوسف معهم! ولكنهم كانوا معجلين لا يصبرون، يخشون ألا تواتيهم الفرصة مرة أخرى. كذلك كان التقاطهم لحكاية الذئب دليلا على التسرع، وقد كان أبوهم يحذرهم منها أمس، وهم ينفونها. فلم يكن من المستساغ أن يذهبوا في الصباح ليتركوا يوسف للذئب الذي حذرهم أبوهم منه أمس! وبمثل هذا التسرع جاءوا على قميصه بدم كذب لطخوه به في غير إتقان ونسوا في انفعالهم أن يمزقوا قميص يوسف.. جاءوا بالقميص كما هو سليما، ولكن ملطخا بالدم.. وانتهى كلامهم بدليل قوي على كذبهم حين قالوا: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) أي وما أنت بمطمئن لما نقوله، ولو كان هو الصدق، لأنك تشك فينا ولا تطمئن لما نقوله.
أدرك يعقوب من دلائل الحال ومن نداء قلبه ومن الأكذوبة الواضحة، أن يوسف لم يأكله الذئب، وأنهم دبروا له مكيدة ما، وأنهم يلفقون له قصة لم تقع، فواجههم بأن نفوسهم قد حسنت لهم أمرا منكرا وذللته ويسرت لهم ارتكابه؛ وأنه سيصبر متحملا متجملا لا يجزع ولا يفزع ولا يشكو، مستعينا بالله على ما يلفقونه من حيل وأكاذيب: قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ
المشهد الأخير من الفصل الأول من حياة سيدنا يوسف عليه السلام:
أثناء وجود يوسف بالبئر، مرت عليه قافلة.. قافلة في طريقها إلى مصر.. قافلة كبيرة.. سارت طويلا حتى سميت سيارة.. توقفوا للتزود بالماء.. وأرسلوا أحدهم للبئر فأدلى الدلو فيه.. تعلق يوسف به.. ظن من دلاه أنه امتلأ بالماء فسحبه.. ففرح بما رأى.. رأى غلاما متعلقا بالدلو.. فسرى على يوسف حكم الأشياء المفقودة التي يلتقطها أحد.. يصير عبدا لمن التقطه.. هكذا كان قانون ذلك الزمان البعيد.
فرح به من وجده في البداية، ثم زهد فيه حين فكر في همه ومسئوليته، وزهد فيه لأنه وجده صبيا صغيرا.. وعزم على التخلص منه لدى وصوله إلى مصر.. ولم يكد يصل إلى مصر حتى باعه في سوق الرقيق بثمن زهيد، دراهم معدودة. ومن هناك اشتراه رجل تبدو عليه الأهمية
خرج الأخوة ومعهم يوسف، وأخذوه للصحراء. اختاروا بئرا لا ينقطع عنها مرور القوافل وحملوه وهموا بإلقائه في البئر.. وأوحى الله إلى يوسف أنه ناج فلا يخاف.. وأنه سيلقاهم بعد يومهم هذا وينبئهم بما فعلوه.
المشهد الخامس:
عند العشاء جاء الأبناء باكين ليحكوا لأبيهم قصة الذئب المزعومة. أخبروه بأنهم ذهبوا يستبقون، فجاء ذئب على غفلة، وأكل يوسف. لقد ألهاهم الحقد الفائر عن سبك الكذبة، فلو كانوا أهدأ أعصابا ما فعلوها من المرة الأولى التي يأذن لهم فيها يعقوب باصطحاب يوسف معهم! ولكنهم كانوا معجلين لا يصبرون، يخشون ألا تواتيهم الفرصة مرة أخرى. كذلك كان التقاطهم لحكاية الذئب دليلا على التسرع، وقد كان أبوهم يحذرهم منها أمس، وهم ينفونها. فلم يكن من المستساغ أن يذهبوا في الصباح ليتركوا يوسف للذئب الذي حذرهم أبوهم منه أمس! وبمثل هذا التسرع جاءوا على قميصه بدم كذب لطخوه به في غير إتقان ونسوا في انفعالهم أن يمزقوا قميص يوسف.. جاءوا بالقميص كما هو سليما، ولكن ملطخا بالدم.. وانتهى كلامهم بدليل قوي على كذبهم حين قالوا: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) أي وما أنت بمطمئن لما نقوله، ولو كان هو الصدق، لأنك تشك فينا ولا تطمئن لما نقوله.
أدرك يعقوب من دلائل الحال ومن نداء قلبه ومن الأكذوبة الواضحة، أن يوسف لم يأكله الذئب، وأنهم دبروا له مكيدة ما، وأنهم يلفقون له قصة لم تقع، فواجههم بأن نفوسهم قد حسنت لهم أمرا منكرا وذللته ويسرت لهم ارتكابه؛ وأنه سيصبر متحملا متجملا لا يجزع ولا يفزع ولا يشكو، مستعينا بالله على ما يلفقونه من حيل وأكاذيب: قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ
المشهد الأخير من الفصل الأول من حياة سيدنا يوسف عليه السلام:
أثناء وجود يوسف بالبئر، مرت عليه قافلة.. قافلة في طريقها إلى مصر.. قافلة كبيرة.. سارت طويلا حتى سميت سيارة.. توقفوا للتزود بالماء.. وأرسلوا أحدهم للبئر فأدلى الدلو فيه.. تعلق يوسف به.. ظن من دلاه أنه امتلأ بالماء فسحبه.. ففرح بما رأى.. رأى غلاما متعلقا بالدلو.. فسرى على يوسف حكم الأشياء المفقودة التي يلتقطها أحد.. يصير عبدا لمن التقطه.. هكذا كان قانون ذلك الزمان البعيد.
فرح به من وجده في البداية، ثم زهد فيه حين فكر في همه ومسئوليته، وزهد فيه لأنه وجده صبيا صغيرا.. وعزم على التخلص منه لدى وصوله إلى مصر.. ولم يكد يصل إلى مصر حتى باعه في سوق الرقيق بثمن زهيد، دراهم معدودة. ومن هناك اشتراه رجل تبدو عليه الأهمية
انتهت المحنة الأولى في حياة هذا النبي الكريم،
لبتدأ المحنة الثانية، والفصل الثاني من حياته.
ثم يكشف الله تعالى مضمون القصة البعيد في بدايتها (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). لقد انطبقت جدران العبودية على يوسف. ألقي في البئر، أهين، حرم من أبيه، التقط من البئر، صار عبدا يباع في الأسواق، اشتراه رجل من مصر، صار مملوكا لهذا الرجل.. انطبقت المأساة، وصار يوسف بلا حول ولا قوة.. هكذا يظن أي إنسان.. غير أن الحقيقة شيء يختلف عن الظن تماما.
ما نتصور نحن أنه مأساة ومحنة وفتنة.. كان هو أول سلم يصعده يوسف في طريقه إلى مجده.. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) .. ينفذ تدبيره رغم تدبير الآخرين. ينفذ من خلاله تدبير الآخرين فيفسده ويتحقق وعد الله، وقد وعد الله يوسف بالنبوة.
وها هو ذا يلقي محبته على صاحبه الذي اشتراه.. وها هو ذا السيد يقول لزوجته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا. وليس هذا السيد رجلا هين الشأن.. إنما هو رجل مهم.. رجل من الطبقة الحاكمة في مصر.. سنعلم بعد قليل أنه وزير من وزراء الملك. وزير خطير سماه القرآن “العزيز”، وكان قدماء المصريين يطلقون الصفات كأسماء على الوزراء. فهذا العزيز.. وهذا العادل.. وهذا القوي.. إلى آخره.. وأرجح الآراء أن العزيز هو رئيس وزراء مصر.
وهكذا مكن الله ليوسف في الأرض.. سيتربى كصبي في بيت رجل يحكم. وسيعلمه الله من تأويل الأحاديث والرؤى.. وسيحتاج إليه الملك في مصر يوما. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). تم هذا كله من خلال فتنة قاسية تعرض لها يوسف.
ثم يبين لنا المولى عز وجل كرمه على يوسف فيقول:
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) (يوسف)
كان يوسف أجمل رجل في عصره.. وكان نقاء أعماقه وصفاء سريرته يضفيان على وجهه مزيدا من الجمال. وأوتي صحة الحكم على الأمور.. وأوتي علما بالحياة وأحوالها. وأوتي أسلوبا في الحوار يخضع قلب من يستمع إليه.. وأوتي نبلا وعفة، جعلاه شخصية إنسانية لا تقاوم.
وأدرك سيده أن الله قد أكرمه بإرسال يوسف إليه.. اكتشف أن يوسف أكثر من رأى في حياته أمانة واستقامة وشهامة وكرما.. وجعله سيده مسئولا عن بيته وأكرمه وعامله كابنه.
ويبدأ المشهد الأول من الفصل الثاني في حياته:
في هذا المشهد تبدأ محنة يوسف الثانية، وهي أشد وأعمق من المحنة الأولى. جاءته وقد أوتي صحة الحكم وأوتي العلم -رحمة من الله- ليواجهها وينجو منها جزاء إحسانه الذي سجله الله له في قرآنه. يذكر الله تعالى هذه المحنة في كتابه الكريم:
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) (يوسف)
لا يذكر السياق القرآني شيئا عن سنها وسنه، فلننظر في ذلك من باب التقدير. لقد أحضر يوسف صبيا من البئر، كانت هي زوجة في الثلاثة والعشرين مثلا، وكان هو في الثانية عشرا. بعد ثلاثة عشر عاما صارت هي في السادسة والثلاثين ووصل عمره إلى الخامسة والعشرين. أغلب الظن أن الأمر كذلك. إن تصرف المرأة في الحادثة وما بعدها يشير إلى أنها مكتملة جريئة.
والآن، لنتدبر معنا في كلمات هذه الآيات.
(وَرَاوَدَتْهُ) صراحة (عَن نَّفْسِهِ )، وأغلقت (الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ). لن تفر مني هذه المرة. هذا يعني أنه كانت هناك مرات سابقة فر فيها منها. مرات سابقة لم تكن الدعوة فيها بهذه الصراحة وهذا التعري. فيبدوا أن امرأة العزيز سئمت تجاهل يوسف لتلميحاتها المستمرة وإباءه.. فقررت أن تغير خطتها. خرجت من التلميح إلى التصريح.. أغلقت الأبواب ومزقت أقنعة الحياء وصرحت بحبها وطالبته بنفسه.
ثم يتجاوزز السياق القرآني الحوار الذي دار بين امرأة العزيز ويوسف عليه السلام، ولنا أن نتصور كيف حاولت إغراءه إما بلباسها أو كلماتها أو حركاتها. لكن ما يهمنا هنا هو موقف يوسف -عليه السلام- من هذا الإغواء.
يقف هذا النبي الكريم في وجه سيدته قائلا (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أعيذ نفسي بالله أن أفعل هذا مع زوجة من أكرمني بأن نجاني من الجب وجعل في هذه الدار مثواي الطيب الآمن. ولا يفلح الظالمون الذين يتجاوزون حدود الله، فيرتكبون ما تدعينني اللحظة إليه.
ثم (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) اتفق المفسرون حول همها بالمعصية، واختلفوا حول همه. فمنهم من أخذ بالإسرائيليات وذكر أن يعقوب ظهر له، أو جبريل نزل إليه، لكن التلفيق والاختلاق ظاهر في هذه الزوايات الإسرائيلية. ومن قائل: إنها همت به تقصد المعصية وهم بها يقصد المعصية ولم يفعل، ومن قائل: إنها همت به لتقبله وهم بها ليضربها، ومن قائل: إن هذا الهم كان بينهما قبل الحادث. كان حركة نفسية داخل نفس يوسف في السن التي اجتاز فيها فترة المراهقة. ثم صرف الله عنه. وأفضل تفسير تطمئن إليه نفسي أن هناك تقديما وتأخيرا في الآية.
قال أبو حاتم: كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة، فلما أتيت على قوله تعالى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا). قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير. بمعنى ولقد همت به.. ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها. يستقيم هذا التفسير مع عصمة الأنبياء.. كما يستقيم مع روح الآيات التي تلحقه مباشرة (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) وهذه الآية التي تثبت أن يوسف من عباد الله المخلصين، تقطع في نفس الوقت بنجاته من سلطان الشيطان. قال تعالى لإبليس يوم الخلق (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) وما دام يوسف من عباده المخلصين، فقد وضح الأمر بالنسبة إليه. لا يعني هذا أن يوسف كان يخلو من مشاعر الرجولة، ولا يعني هذا أنه كان في نقاء الملائكة وعدم احتفالهم بالحس. إنما يعني أنه تعرض لإغراء طويل قاومه فلم تمل نفسه يوما، ثم أسكنها تقواها كونه مطلعا على برهان ربه، عارفا أنه يوسف بن يعقوب النبي، ابن إسحق النبي، ابن إبراهيم جد الأنبياء وخليل الرحمن.
يبدو أن يوسف -عليه السلام- آثر الانصراف متجها إلى الباب حتى لا يتطور الأمر أكثر. لكن امرأة العزيز لحقت به لتمسكه، تدفهعا الشهوة لذلك. فأمسكت قميصه من الخلف، فتمزق في يدها. وهنا تقطع المفاجأة. فتح الباب زوجها -العزيز. وهنا تتبدى المرأة المكتملة، فتجد الجواب حاضرا على السؤال البديهي الذي يطرح الموقف. فتقول متهمة الفتى: قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
واقترحت هذه المراة -العاشقة- سريعا العقاب -المأمون- الواجب تنفيذه على يوسف، خشية أن يفتك به العزيز من شدة غضبه. بيّنت للعزيز أن أفضل عقاب له هو السجن. بعد هذا الاتهام الباطل والحكم السريع جهر يوسف بالحقيقة ليدافع عن نفسه: قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي
تجاوز السياق القرآني رد الزوج، لكنه بين كيفية تبرأة يوسف -عليه السلام- من هذه التهمة الباطلة:
وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) (يوسف)
لا نعلم إن كان الشاهد مرافقا للزوج منذ البداية، أم أن العزيز استدعاه بعد الحادثة ليأخذ برأيه.. كما أشارت بعض الروايات أن هذا الشاهد رجل كبير، بينما أخبرت روايات أخرى أنه طفل رضيع. كل هذا جائز. وهو لا يغير من الأمر شيئا. ما يذكره القرآن أن الشاهد أمرهم بالنظر للقميص، فإن كان ممزقا من الأمام فذلك من أثر مدافعتها له وهو يريد الاعتداء عليها فهي صادقة وهو كاذب. وإن كان قميصه ممزقا من الخلف فهو إذن من أثر تملصه منها وتعقبها هي له حتى الباب، فهي كاذبة وهو صادق.
فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) (يوسف)
فتأكد الزوج من خيانة زوجته عندما رأى قميص يوسف ممزق من الخلف. لكن الدم لم يثر في عروقه ولم يصرخ ولم يغضب. فرضت عليه قيم الطبقة الراقية التي وقع فيها الحادث أن يواجه الموقف بلباقة وتلطف.. نسب ما فعلته إلى كيد النساء عموما. وصرح بأن كيد النساء عموم عظيم. وهكذا سيق الأمر كما لو كان ثناء يساق. ولا نحسب أنه يسوء المرأة أن يقال لها: (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ). فهو دلالة على أنها أنثى كاملة مستوفية لمقدرة الأنثى على الكيد. بعدها التفت الزوج إلى يوسف قائلا له: (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا) أهمل هذا الموضوع ولا تعره اهتماما ولا تتحدث به. هذا هو المهم.. المحافظة على الظواهر.. ثم يوجه عظة -مختصرة- للمرأة التي ضبطت متلبسة بمراودة فتاها عن نفسها وتمزيق قميصه: (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ).
انتهى الحادث الأول.. لكن الفتنة لم تنته.. فلم يفصل سيد البيت بين المرأة وفتاها.. كل ما طلبه هو إغلاق الحديث في هذا الموضوع. غير أن هذا الموضوع بالذات. وهذا الأمر يصعب تحقيقه في قصر يمتلئ بالخدم والخادمات والمستشارين والوصيفات.
المشهد الثاني:
بدأ الموضوع ينتشر.. خرج من القصر إلى قصور الطبقة الراقية يومها.. ووجدت فيه نساء هذه الطبقة مادة شهية للحديث. إن خلو حياة هذه الطبقات من المعنى، وانصرافها إلى اللهو، يخلعان أهمية قصوى على الفضائح التي ترتبط بشخصيات شهيرة.. وزاد حديث المدينة (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) وانتقل الخبر من فم إلى فم.. ومن بيت إلى بيت.. حتى وصل لامرأة العزيز.
المشهد الثالث:
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) (يوسف)
عندما سمعت امرأة العزيز بما تتناقله نساء الطبقة العليا عنها، قررت أن تعد مأدبة كبيرة في القصر. وأعدت الوسائد حتى يتكئ عليها المدعوات. واختارت ألوان الطعام والشراب وأمرت أن توضع السكاكين الحادة إلى جوار الطعام المقدم. ووجهت الدعوة لكل من تحدثت عنها. وبينما هن منشغلات بتقطيع اللحم أو تقشير الفاكهة، فاجأتهن بيوسف: وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا
(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) بهتن لطلعته، ودهشن. (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) وجرحن أيديهن بالسكاكين للدهشة المفاجئة. (وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ) وهي كلمة تنزيه تقال في هذا الموضع تعبيرا عن الدهشة بصنع الله.. (مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) يتضح من هذه التعبيرات أن شيئا من ديانات التوحيد تسربت لأهل ذلك الزمان.
ورأت المرأة أنها انتصرت على نساء طبقتها، وأنهن لقين من طلعة يوسف الدهش والإعجاب والذهول. فقالت قولة المرأة المنتصرة، التي لا تستحي أمام النساء من بنات جنسها وطبقتها، والتي تفتخر عليهن بأن هذا متناول يدها؛ وإن كان قد استعصم في المرة الأولى فهي ستحاول المرة تلو الأخرى إلى أن يلين: انظرن ماذا لقيتن منه من البهر والدهش والإعجاب! لقد بهرني مثلكن فراودته عن نفسه لكنه استعصم، وإن لم يطعني سآمر بسجنه لأذلّه.
إنها لم ترى بأسا من الجهر بنزواتها الأنثوية أما نساء طبقتها. فقالتها بكل إصرار وتبجح، قالتها مبيّنة أن الإغراء الجديد تحت التهديد.
واندفع النسوة كلهم إليه يراودنه عن نفسه.. كل منهن أرادته لنفسها.. ويدلنا على ذلك أمران. الدليل الأول هو قول يوسف عليه السلام (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) فلم يقل (ما تدعوني إليه).. والأمر الآخر هو سؤال الملك لهم فيما بعد (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ).
أمام هذه الدعوات -سواء كانت بالقول أم بالحركات واللفتات- استنجد يوسف بربه ليصرف عنه محاولاتهن لإيقاعه في حبائلهن، خيفة أن يضعف في لحظة أمام الإغراء الدائم، فيقع فيما يخشاه على نفسه. دعى يوسف الله دعاء الإنسان العارف ببشريته، الذي لا يغتر بعصمته؛ فيريد مزيدا من عناية الله وحياطته، ويعاونه على ما يعترضه من فتة وكيد وإغراء. (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) واستجاب له الله.. وصرف عنه كيد النسوة.
وهذا الصرف قد يكون بإدخال اليأس في نفوسهن من استجابته لهن، بعد هذه التجربة؛ أو بزيادة انصرافه عن الإغراء حتى ما يحس في نفسه أثرا منه. أو بهما جميعا. وهكذا اجتاز يوسف المحنة الثانية بلطف الله ورعايته، فهو الذي سمع الكيد ويسمع الدعاء، ويعلم ما وراء الكيد وما وراء الدعاء.
ما انتهت المحنة الثانية إلا لتبدأ الثالثة.. لكن هذه الثالثة هي آخر محن الشدة.
بدأ الموضوع ينتشر.. خرج من القصر إلى قصور الطبقة الراقية يومها.. ووجدت فيه نساء هذه الطبقة مادة شهية للحديث. إن خلو حياة هذه الطبقات من المعنى، وانصرافها إلى اللهو، يخلعان أهمية قصوى على الفضائح التي ترتبط بشخصيات شهيرة.. وزاد حديث المدينة (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) وانتقل الخبر من فم إلى فم.. ومن بيت إلى بيت.. حتى وصل لامرأة العزيز.
المشهد الثالث:
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) (يوسف)
عندما سمعت امرأة العزيز بما تتناقله نساء الطبقة العليا عنها، قررت أن تعد مأدبة كبيرة في القصر. وأعدت الوسائد حتى يتكئ عليها المدعوات. واختارت ألوان الطعام والشراب وأمرت أن توضع السكاكين الحادة إلى جوار الطعام المقدم. ووجهت الدعوة لكل من تحدثت عنها. وبينما هن منشغلات بتقطيع اللحم أو تقشير الفاكهة، فاجأتهن بيوسف: وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا
(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) بهتن لطلعته، ودهشن. (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) وجرحن أيديهن بالسكاكين للدهشة المفاجئة. (وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ) وهي كلمة تنزيه تقال في هذا الموضع تعبيرا عن الدهشة بصنع الله.. (مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) يتضح من هذه التعبيرات أن شيئا من ديانات التوحيد تسربت لأهل ذلك الزمان.
ورأت المرأة أنها انتصرت على نساء طبقتها، وأنهن لقين من طلعة يوسف الدهش والإعجاب والذهول. فقالت قولة المرأة المنتصرة، التي لا تستحي أمام النساء من بنات جنسها وطبقتها، والتي تفتخر عليهن بأن هذا متناول يدها؛ وإن كان قد استعصم في المرة الأولى فهي ستحاول المرة تلو الأخرى إلى أن يلين: انظرن ماذا لقيتن منه من البهر والدهش والإعجاب! لقد بهرني مثلكن فراودته عن نفسه لكنه استعصم، وإن لم يطعني سآمر بسجنه لأذلّه.
إنها لم ترى بأسا من الجهر بنزواتها الأنثوية أما نساء طبقتها. فقالتها بكل إصرار وتبجح، قالتها مبيّنة أن الإغراء الجديد تحت التهديد.
واندفع النسوة كلهم إليه يراودنه عن نفسه.. كل منهن أرادته لنفسها.. ويدلنا على ذلك أمران. الدليل الأول هو قول يوسف عليه السلام (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) فلم يقل (ما تدعوني إليه).. والأمر الآخر هو سؤال الملك لهم فيما بعد (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ).
أمام هذه الدعوات -سواء كانت بالقول أم بالحركات واللفتات- استنجد يوسف بربه ليصرف عنه محاولاتهن لإيقاعه في حبائلهن، خيفة أن يضعف في لحظة أمام الإغراء الدائم، فيقع فيما يخشاه على نفسه. دعى يوسف الله دعاء الإنسان العارف ببشريته، الذي لا يغتر بعصمته؛ فيريد مزيدا من عناية الله وحياطته، ويعاونه على ما يعترضه من فتة وكيد وإغراء. (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) واستجاب له الله.. وصرف عنه كيد النسوة.
وهذا الصرف قد يكون بإدخال اليأس في نفوسهن من استجابته لهن، بعد هذه التجربة؛ أو بزيادة انصرافه عن الإغراء حتى ما يحس في نفسه أثرا منه. أو بهما جميعا. وهكذا اجتاز يوسف المحنة الثانية بلطف الله ورعايته، فهو الذي سمع الكيد ويسمع الدعاء، ويعلم ما وراء الكيد وما وراء الدعاء.
ما انتهت المحنة الثانية إلا لتبدأ الثالثة.. لكن هذه الثالثة هي آخر محن الشدة.
يسجن يوسف عليه السلام والفصل الثالث من حياته:
ربما كان دخوله للسجن بسبب انتشار قصته مع امرأة العزيز ونساء طبقتها، فلم يجد أصحاب هذه البيوت طريقة لإسكات هذه الألسنة سوى سجن هذا الفتى الذي دلت كل الآيات على برائته، لتنسى القصة. قال تعالى في سورة (يوسف):
ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) (يوسف)
وهكذا ترسم الآية الموجزة جو هذا العصر بأكمله.. جو الفساد الداخلي في القصور، جو الأوساط الأرستقراطية.. وجو الحكم المطلق.
إن حلول المشكلات في الحكم المطلق هي السجن.. وليس هذا بغريب على من يعبد آلهة متعددة. كانوا على عبادة غير الله.. ولقد رأينا من قبل كيف تضيع حريات الناس حين ينصرفون عن عبادة الله إلى عبادة غيره. وها نحن أولاء نرى في قصة يوسف شاهدا حيا يصيب حتى الأنبياء. صدر قرارا باعتقاله وأدخل السجن. بلا قضية ولا محاكمة، ببساطة ويسر.. لا يصعب في مجتمع تحكمه آلهة متعددة أن يسجن بريء. بل لعل الصعوبة تكمن في محاولة شيء غير ذلك.
دخل يوسف السجن ثابت القلب هادئ الأعصاب أقرب إلى الفرح لأنه نجا من إلحاح زوجة العزيز ورفيقاتها، وثرثرة وتطفلات الخدم. كان السجن بالنسبة إليه مكانا هادئا يخلو فيه ويفكر في ربه.
ويبين لنا القرآن الكريم المشهد الأول من هذا الفصل:
يختصر السياق القرآني ما كان من أمر يوسف في السجن.. لكن الواضح أن يوسف -عليه السلام- انتهز فرصة وجوده في السجن، ليقوم بالدعوة إلى الله. مما جعل السجناء يتوسمون فيه الطيبة والصلاح وإحسان العبادة والذكر والسلوك.
انتهز يوسف -عليه السلام- هذه الفرصة ليحدث الناس عن رحمة الخالق وعظمته وحبه لمخلوقاته، كان يسأل الناس: أيهما أفضل.. أن ينهزم العقل ويعبد أربابا متفرقين.. أم ينتصر العقل ويعبد رب الكون العظيم؟ وكان يقيم عليهم الحجة بتساؤلاته الهادئة وحواره الذكي وصفاء ذهنه، ونقاء دعوته.
وفي أحد الأيام، قَدِمَ له سجينان يسألانه تفسير أحلامهما، بعد أن توسما في وجهه الخير. إن أول ما قام به يوسف -عليه السلام- هو طمأنتهما أنه سيؤول لهم الرؤى، لأن ربه علمه علما خاصا، جزاء على تجرده هو وآباؤه من قبله لعبادته وحده، وتخلصه من عبادة الشركاء.. وبذلك يكسب ثقتهما منذ اللحظة الأولى بقدرته على تأويل رؤياهما، كما يكسب ثقتهما كذلك لدينه. ثم بدأ بدعوتهما إلى التوحيد، وتبيان ما هم عليه من الظلال. قام بكل هذا برفق ولطف ليدخل إلى النفوس بلا مقاومة.
بعد ذلك فسر لهما الرؤى. بيّن لهما أن أحدها سيصلب، والآخر سينجو، وسيعمل في قصر الملك. لكنه لم يحدد من هو صاحب البشرى ومن هو صاحب المصير السيئ تلطفا وتحرجا من المواجهة بالشر والسوء. وتروي بعض التفاسير أن هؤلاء الرجلين كانا يعملان في القصر، أحدهما طباخا، والآخر يسقي الناس، وقد اتهما بمحاولة تسميم الملك.
أوصى يوسف من سينجو منهما أن يذكر حاله عن الملك. لكن الرجل لم ينفذ الوصية. فربما ألهته حياة القصر المزدحمة يوسف وأمره. فلبث في السجن بضع سنين. أراد الله بهذا أن يعلم يوسف -عليه السلام- درسا.
فقد ورد في إحدى الرويات أنه جاءه جبريل قال: يا يوسف من نجّاك من إخوتك؟ قال: الله. قال: من أنقذك من الجب؟ قال: الله. قال: من حررك بعد أن صرت عبدا؟ قال: الله. قال: من عصمك من النساء؟ قال: الله. قال: فعلام تطلب النجاة من غيره؟
وقد يكون هذا الأمر زيادة في كرم الله عليه واصطفاءه له، فلم يجعل قضاء حاجته على يد عبد ولا سبب يرتبط بعبد.
المشهد الثاني:
في هذا المشهد تبدأ نقطة التحول.. التحول من محن الشدة إلى محن الرخاء.. من محنة العبودية والرق لمحنة السلطة والملك.
في قصر الحكم.. وفي مجلس الملك: يحكي الملك لحاشيته رؤياه طالبا منهم تفسيرا لها. (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) لكن المستشارين والكهنة لم يقوموا بالتفسير. ربما لأنهم لم يعرفوا تفسيرها، أو أنهم أحسوا أنها رؤيا سوء فخشوا أن يفسروها للملك، وأرادوا أن يأتي التفسير من خارج الحاشية -التي تعودت على قول كل ما يسر الملك فقط. وعللوا عدم التفسير بأن قالوا للملك أنها أجزاء من أحلام مختلطة ببعضها البعض، ليست رؤيا كاملة يمكن تأويلها.
ربما كان دخوله للسجن بسبب انتشار قصته مع امرأة العزيز ونساء طبقتها، فلم يجد أصحاب هذه البيوت طريقة لإسكات هذه الألسنة سوى سجن هذا الفتى الذي دلت كل الآيات على برائته، لتنسى القصة. قال تعالى في سورة (يوسف):
ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) (يوسف)
وهكذا ترسم الآية الموجزة جو هذا العصر بأكمله.. جو الفساد الداخلي في القصور، جو الأوساط الأرستقراطية.. وجو الحكم المطلق.
إن حلول المشكلات في الحكم المطلق هي السجن.. وليس هذا بغريب على من يعبد آلهة متعددة. كانوا على عبادة غير الله.. ولقد رأينا من قبل كيف تضيع حريات الناس حين ينصرفون عن عبادة الله إلى عبادة غيره. وها نحن أولاء نرى في قصة يوسف شاهدا حيا يصيب حتى الأنبياء. صدر قرارا باعتقاله وأدخل السجن. بلا قضية ولا محاكمة، ببساطة ويسر.. لا يصعب في مجتمع تحكمه آلهة متعددة أن يسجن بريء. بل لعل الصعوبة تكمن في محاولة شيء غير ذلك.
دخل يوسف السجن ثابت القلب هادئ الأعصاب أقرب إلى الفرح لأنه نجا من إلحاح زوجة العزيز ورفيقاتها، وثرثرة وتطفلات الخدم. كان السجن بالنسبة إليه مكانا هادئا يخلو فيه ويفكر في ربه.
ويبين لنا القرآن الكريم المشهد الأول من هذا الفصل:
يختصر السياق القرآني ما كان من أمر يوسف في السجن.. لكن الواضح أن يوسف -عليه السلام- انتهز فرصة وجوده في السجن، ليقوم بالدعوة إلى الله. مما جعل السجناء يتوسمون فيه الطيبة والصلاح وإحسان العبادة والذكر والسلوك.
انتهز يوسف -عليه السلام- هذه الفرصة ليحدث الناس عن رحمة الخالق وعظمته وحبه لمخلوقاته، كان يسأل الناس: أيهما أفضل.. أن ينهزم العقل ويعبد أربابا متفرقين.. أم ينتصر العقل ويعبد رب الكون العظيم؟ وكان يقيم عليهم الحجة بتساؤلاته الهادئة وحواره الذكي وصفاء ذهنه، ونقاء دعوته.
وفي أحد الأيام، قَدِمَ له سجينان يسألانه تفسير أحلامهما، بعد أن توسما في وجهه الخير. إن أول ما قام به يوسف -عليه السلام- هو طمأنتهما أنه سيؤول لهم الرؤى، لأن ربه علمه علما خاصا، جزاء على تجرده هو وآباؤه من قبله لعبادته وحده، وتخلصه من عبادة الشركاء.. وبذلك يكسب ثقتهما منذ اللحظة الأولى بقدرته على تأويل رؤياهما، كما يكسب ثقتهما كذلك لدينه. ثم بدأ بدعوتهما إلى التوحيد، وتبيان ما هم عليه من الظلال. قام بكل هذا برفق ولطف ليدخل إلى النفوس بلا مقاومة.
بعد ذلك فسر لهما الرؤى. بيّن لهما أن أحدها سيصلب، والآخر سينجو، وسيعمل في قصر الملك. لكنه لم يحدد من هو صاحب البشرى ومن هو صاحب المصير السيئ تلطفا وتحرجا من المواجهة بالشر والسوء. وتروي بعض التفاسير أن هؤلاء الرجلين كانا يعملان في القصر، أحدهما طباخا، والآخر يسقي الناس، وقد اتهما بمحاولة تسميم الملك.
أوصى يوسف من سينجو منهما أن يذكر حاله عن الملك. لكن الرجل لم ينفذ الوصية. فربما ألهته حياة القصر المزدحمة يوسف وأمره. فلبث في السجن بضع سنين. أراد الله بهذا أن يعلم يوسف -عليه السلام- درسا.
فقد ورد في إحدى الرويات أنه جاءه جبريل قال: يا يوسف من نجّاك من إخوتك؟ قال: الله. قال: من أنقذك من الجب؟ قال: الله. قال: من حررك بعد أن صرت عبدا؟ قال: الله. قال: من عصمك من النساء؟ قال: الله. قال: فعلام تطلب النجاة من غيره؟
وقد يكون هذا الأمر زيادة في كرم الله عليه واصطفاءه له، فلم يجعل قضاء حاجته على يد عبد ولا سبب يرتبط بعبد.
المشهد الثاني:
في هذا المشهد تبدأ نقطة التحول.. التحول من محن الشدة إلى محن الرخاء.. من محنة العبودية والرق لمحنة السلطة والملك.
في قصر الحكم.. وفي مجلس الملك: يحكي الملك لحاشيته رؤياه طالبا منهم تفسيرا لها. (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) لكن المستشارين والكهنة لم يقوموا بالتفسير. ربما لأنهم لم يعرفوا تفسيرها، أو أنهم أحسوا أنها رؤيا سوء فخشوا أن يفسروها للملك، وأرادوا أن يأتي التفسير من خارج الحاشية -التي تعودت على قول كل ما يسر الملك فقط. وعللوا عدم التفسير بأن قالوا للملك أنها أجزاء من أحلام مختلطة ببعضها البعض، ليست رؤيا كاملة يمكن تأويلها.
المشهد الثالث:
وصل الخبر إلى الساقي -الذي نجا من السجن.. تداعت أفكاره وذكره حلم الملك بحلمه الذي رآه في السجن، وذكره السجن بتأويل يوسف لحلمه. وأسرع إلى الملك وحدثه عن يوسف. قال له: إن يوسف هو الوحيد الذي يستطيع تفسير رؤياك.
وصل الخبر إلى الساقي -الذي نجا من السجن.. تداعت أفكاره وذكره حلم الملك بحلمه الذي رآه في السجن، وذكره السجن بتأويل يوسف لحلمه. وأسرع إلى الملك وحدثه عن يوسف. قال له: إن يوسف هو الوحيد الذي يستطيع تفسير رؤياك.
وأرسل الملك ساقيه إلى السجن ليسأل يوسف. ويبين لنا الحق سبحانه كيف نقل الساقي رؤيا الملك ليوسف بتعبيرات الملك نفسها، لأنه هنا بصدد تفسير حلم، وهو يريد أن يكون التفسير مطابقا تماما لما رءاه الملك. وكان الساقي يسمي يوسف بالصديق، أي الصادق الكثير الصدق.. وهذا ما جربه من شأنه من قبل.
جاء الوقت واحتاج الملك إلى رأي يوسف.. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). سُئِلَ يوسف عن تفسير حلم الملك.. فلم يشترط خروجه من السجن مقابل تفسيره. لم يساوم ولم يتردد ولم يقل شيئا غير تفسير الرؤيا.. هكذا ببراءة النبي حين يلجأ إليه الناس فيغيثهم.. وإن كان هؤلاء أنفسهم سجانيه وجلاديه.
لم يقم يسوف -عليه السلام- بالتفسير المباشر المجرد للرؤيا. وإنما قدم مع التفسير النصح وطريقة مواجهة المصاعب التي ستمر بها مصر. أفهم يوسف رسول الملك أن مصر ستمر عليها سبع سنوات مخصبة تجود فيها الأرض بالغلات. وعلى المصريين ألا يسرفوا في هذه السنوات السبع. لأن وراءها سبع سنوات مجدبة ستأكل ما يخزنه المصريون، وأفضل خزن للغلال أن تترك في سنابلها كي لا تفسد أو يصيبها السوس أو يؤثر عليها الجو.
بهذا انتهى حلم الملك.. وزاد يوسف تأويله لحلم الملك بالحديث عن عام لم يحلم به الملك، عام من الرخاء. عام يغاث فيه الناس بالزرع والماء، وتنمو كرومهم فيعصرون خمرا، وينمو سمسمهم وزيتونهم فيعصرون زيتا. كان هذا العام الذي لا يقابله رمز في حلم الملك. علما خاصا أوتيه يوسف. فبشر به الساقي ليبشر به الملك والناس.
المشهد الرابع:
عاد الساقي إلى الملك. أخبره بما قال يوسف، دهش الملك دهشة شديدة. ما هذا السجين..؟ إنه يتنبأ لهم بما سيقع، ويوجههم لعلاجه.. دون أن ينتظر أجرا أو جزاء. أو يشترط خروجا أو مكافأة. فأصدر الملك أمره بإخراج يوسف من السجن وإحضاره فورا إليه. ذهب رسول الملك إلى السجن. ولا نعرف إن كان هو الساقي الذي جاءه أول مرة. أم أنه شخصية رفيعة مكلفة بهذه الشؤون. ذهب إليه في سجنه. رجا منه أن يخرج للقاء الملك.. فهو يطلبه على عجل. رفض يوسف أن يخرج من السجن إلا إذا ثبتت براءته. لقد رباه ربه وأدبه. ولقد سكبت هذه التربية وهذا الأدب في قلبه السكينة والثقة والطمأنينة. ويظهر أثر التربية واضحا في الفارق بين الموقفين: الموقف الذي يقول يوسف فيه للفتى: اذكرني عند ربك، والموقف الذي يقول فيه: ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة الاتي قطعن أيدهن، الفارق بين الموقفين كبير.
عاد الساقي إلى الملك. أخبره بما قال يوسف، دهش الملك دهشة شديدة. ما هذا السجين..؟ إنه يتنبأ لهم بما سيقع، ويوجههم لعلاجه.. دون أن ينتظر أجرا أو جزاء. أو يشترط خروجا أو مكافأة. فأصدر الملك أمره بإخراج يوسف من السجن وإحضاره فورا إليه. ذهب رسول الملك إلى السجن. ولا نعرف إن كان هو الساقي الذي جاءه أول مرة. أم أنه شخصية رفيعة مكلفة بهذه الشؤون. ذهب إليه في سجنه. رجا منه أن يخرج للقاء الملك.. فهو يطلبه على عجل. رفض يوسف أن يخرج من السجن إلا إذا ثبتت براءته. لقد رباه ربه وأدبه. ولقد سكبت هذه التربية وهذا الأدب في قلبه السكينة والثقة والطمأنينة. ويظهر أثر التربية واضحا في الفارق بين الموقفين: الموقف الذي يقول يوسف فيه للفتى: اذكرني عند ربك، والموقف الذي يقول فيه: ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة الاتي قطعن أيدهن، الفارق بين الموقفين كبير.
المشهد الخامس:
تجاوز السياق القرآني عما حدث بين الملك ورسوله، وردة فعل الملك. ليقف بنا أمام المحاكة. وسؤال الملك لنساء الطبقة العليا عما فعلنه مع يوسف. يبدوا أن الملك سأل عن القصة ليكون على بينة من الظروف قبل أن يبدأ التحقيق، لذلك جاء سؤاله دقيقا للنساء. فاعترف النساء بالحقيقة التي يصعب إنكارها (قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ).
تجاوز السياق القرآني عما حدث بين الملك ورسوله، وردة فعل الملك. ليقف بنا أمام المحاكة. وسؤال الملك لنساء الطبقة العليا عما فعلنه مع يوسف. يبدوا أن الملك سأل عن القصة ليكون على بينة من الظروف قبل أن يبدأ التحقيق، لذلك جاء سؤاله دقيقا للنساء. فاعترف النساء بالحقيقة التي يصعب إنكارها (قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ).
وهنا تتقدم المرأة المحبة ليوسف، التي يئست منه، ولكنها لا تستطيع أن تخلص من تعلقها به.. تتقدم لتقول كل شيء بصراحة. يصور السياق القرآني لنا اعتراف امرأة العزيز، بألفاظ موحية، تشي بما وراءها من انفعالات ومشاعر عميقة (أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) شهادة كاملة بإثمها هي، وبراءته ونظافته وصدقه هو. شهادة لا يدفع إليها خوف أو خشية أو أي اعتبار آخر.. يشي السياق القرآني بحافز أعمق من هذا كله. حرصها على أن يحترمها الرجل الذي أهان كبرياءها الأنثوية، ولم يعبأ بفتنتها الجسدية. ومحاولة يائسة لتصحيح صورتها في ذهنه. لا تريده أن يستمر على تعاليه واحتقاره لها كخاطئة. تريد أن تصحح فكرته عنها: (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ). لست بهذا السوء الذي يتصوره فيني. ثم تمضي في هذه المحاولة والعودة إلى الفضيلة التي يحبها يوسف ويقدرها (وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ). وتمضي خطوة أخرى في هذه المشاعر الطيبة (وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
إن تأمل الآيات يوحي بأن امرأة العزيز قد تحولت إلى دين يوسف. تحولت إلى التوحيد. إن سجن يوسف كان نقلة هائلة في حياتها. آمنت بربه واعتنقت ديانته.
ويصدر الأمر الملكي بالإفراج عنه وإحضاره.
يهمل السياق القرآني بعد ذلك قصة امرأة العزيز تماما، يسقطها من المشاهد، فلا نعرف ماذا كان من أمرها بعد شهادتها الجريئة التي أعلنت فيها ضمنا إيمانها بدين يوسف.
وقد لعبت الأساطير دورها في قصة المرأة.. قيل: إن زوجها مات وتزوجت من يوسف، فاكتشف أنها عذراء، واعترفت له أن زوجها كان شيخا لا يقرب النساء.. وقيل: إن بصرها ضاع بسبب استمرارها في البكاء على يوسف، خرجت من قصرها وتاهت في طرقات المدينة، فلما صار يوسف كبيرا للوزراء، ومضى موكبه يوما هتفت به امرأة ضريرة تتكفف الناس: سبحان من جعل الملوك عبيدا بالمعصية، وجعل العبيد ملوكا بالطاعة.
سأل يوسف: صوت من هذا؟ قيل له: امرأة العزيز. انحدر حالها بعد عز. واستدعاها يوسف وسألها: هل تجدين في نفسك من حبك لي شيئا؟
قالت: نظرة إلى وجهك أحب إلي من الدنيا يا يوسف.. ناولني نهاية سوطك. فناولها. فوضعته على صدرها، فوجد السوط يهتز في يده اضطرابا وارتعاشا من خفقان قلبها.
وقيلت أساطير أخرى، يبدو فيها أثر المخيلة الشعبية وهي تنسج قمة الدراما بانهيار العاشقة إلى الحضيض.. غير أن السياق القرآني تجاوز تماما نهاية المرأة.
أغفلها من سياق القصة، بعد أن شهدت ليوسف.. وهذا يخدم الغرض الديني في القصة، فالقصة أساسا قصة يوسف وليست قصة المرأة.. وهذا أيضا يخدم الغرض الفني.. لقد ظهرت المرأة ثم اختفت في الوقت المناسب.. اختفت في قمة مأساتها.. وشاب اختفاءها غموض فني معجز.. ولربما بقيت في الذاكرة باختفائها هذا زمنا أطول مما كانت تقضيه لو عرفنا بقية قصتها.
ويبدأ فصل جديد من فصول حياة يوسف عليه السلام:
بعد ما رأى الملك من أمر يوسف. براءته، وعلمه، وعدم تهافته على الملك. عرف أنه أمام رجل كريم، فلم يطلبه ليشكره أو يثني عليه، وإنما طلبه ليكون مستشاره. وعندما جلس معه وكلمه، تحقق له صدق ما توسمه فيه. فطمئنه على أنه ذو مكانه وفي أمان عنده. فماذا قال يوسف؟
لم يغرق الملك شكرا، ولم يقل له: عشت يا مولاي وأنا عبدك الخاضع أو خادمك الأمين، كما يفعل المتملقون للطواغيت؛ كلا إنما طالب بما يعتقد أنه قادر على أن ينهض به من الأعباء في الازمة القادمة.
كما وأورد القرطبي في تفسيره. أن الملك قال فيما قاله: لو جمعت أهل مصر ما أطاقوا هذا الأمر.. ولم يكونوا فيه أمناء.
كان الملك يقصد الطبقة الحاكمة وما حولها من طبقات.. إن العثور على الأمانة في الطبقة المترفة شديد الصعوبة.
اعتراف الملك ليوسف بهذه الحقيقة زاد من عزمه على تولي هذا الامر، لأنقاذ مصر وما حولها من البلاد من هذه المجاعة.. قال يوسف: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ). لم يكن يوسف في كلمته يقصد النفع أو الاستفادة. على العكس من ذلك. كان يحتمل أمانة إطعام شعوب جائعة لمدة سبع سنوات.. شعوب يمكن أن تمزق حكامها لو جاعت.. كان الموضوع في حقيقته تضحية من يوسف.
لا يثبت السياق القرآني أن الملك وافق.. فكأنما يقول القرآن الكريم إن الطلب تضمن الموافقة.. زيادة في تكريم يوسف، وإظهار مكانته عند الملك.. يكفي أن يقول ليجاب.. بل ليكون قوله هو الجواب، ومن ثم يحذف رد الملك.. ويفهمنا شريط الصور المعروضة أن يوسف قد صار في المكان الذي اقترحه.
وهكذا مكن الله ليوسف في الأرض.. صار مسؤولا عن خزائن مصر واقتصادها.. صار كبيرا للوزراء.. وجاء في رواية أن الملك قال ليوسف: يا يوسف ليس لي من الحكم إلا الكرسي.. ولا ينبئنا السياق القرآني كيف تصرف يوسف في مصر.. نعرف أنه حكيم عليم.. نعرف أنه أمين وصادق.. لا خوف إذا على اقتصاد مصر.
المشهد الثاني من هذا الفصل:
دارت عجلة الزمن.. طوى السياق دورتها، ومر مرورا سريعا على سنوات الرخاء، وجاءت سنوات المجاعة.. وهنا يغفل السياق القرآني بعد ذلك ذكر الملك والوزراء في السورة كلها.. كأن الأمر كله قد صار ليوسف. الذي اضطلع بالعبء في الأزمة الخانقة الرهيبة. وأبرز يوسف وحده على مسرح الحوادث, وسلط عليه كل الأضواء.
دارت عجلة الزمن.. طوى السياق دورتها، ومر مرورا سريعا على سنوات الرخاء، وجاءت سنوات المجاعة.. وهنا يغفل السياق القرآني بعد ذلك ذكر الملك والوزراء في السورة كلها.. كأن الأمر كله قد صار ليوسف. الذي اضطلع بالعبء في الأزمة الخانقة الرهيبة. وأبرز يوسف وحده على مسرح الحوادث, وسلط عليه كل الأضواء.
أما فعل الجدب والمجاعة فقد أبرزه السياق في مشهد إخوة يوسف, يجيئون من البدو من أرض كنعان البعيدة يبحثون عن الطعام في مصر. ومن ذلك ندرك اتساع دائرة المجاعة, كما كيف صارت مصر – بتدبير يوسف – محط أنظار جيرانها ومخزن الطعام في المنطقة كلها.
لقد اجتاح الجدب والمجاعة أرض كنعان وما حولها. فاتجه إخوة يوسف – فيمن يتجهون – إلى مصر. وقد تسامع الناس بما فيها من فائض الغلة منذ السنوات السمان. فدخلوا على عزيز مصر, وهم لا يعلمون أن أخاهم هو العزيز. إنه يعرفهم فهم لم يتغيروا كثيرا. أما يوسف فإن خيالهم لا يتصور قط أنه العزيز! وأين الغلام العبراني الصغير الذي ألقوه في الجب منذ عشرين عاما أو تزيد من عزيز مصر شبه المتوج في سنه وزيه وحرسه ومهابته وخدمه وحشمه وهيله وهيلمانه?
ولم يكشف لهم يوسف عن نفسه. فلا بد من دروس يتلقونها: (فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ). ولكنا ندرك من السياق أنه أنزلهم منزلا طيبا, ثم أخذ في إعداد الدرس الأول: ( وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ). فنفهم من هذا أنه تركهم يأنسون إليه, واستدرجهم حتى ذكروا له من هم على وجه التفصيل, وأن لهم أخا صغيرا من أبيهم لم يحضر معهم لأن أباه يحبه ولا يطيق فراقه. فلما جهزهم بحاجات الرحلة قال لهم: إنه يريد أن يرى أخاهم هذا. (قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ). وقد رأيتم أنني أوفي الكيل للمشترين. فسأوفيكم نصيبكم حين يجيء معكم; ورأيتم أنني أكرم النزلاء فلا خوف عليه بل سيلقى مني الإكرام المعهود: (أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ).
ولما كانوا يعلمون كيف يضن أبوهم بأخيهم الأصغر – وبخاصة بعد ذهاب يوسف – فقد أظهروا أن الأمر ليس ميسورا, وإنما في طريقه عقبات من ممانعة أبيهم, وأنهم سيحاولون إقناعه, مع توكيد عزمهم – على الرغم من هذه العقبات – على إحضاره معهم حين يعودون: (قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ). ولفظ (نراود) يصور الجهد الذي يعلمون أنهم باذلوه.
أما يوسف فقد أمر غلمانه أن يدسوا البضاعة التي حضر بها إخوته ليستبدلوا بها القمح والعلف. وقد تكون خليطا من نقد ومن غلات صحراوية أخرى من غلات الشجر الصحراوي, ومن الجلود وسواها مما كان يستخدم في التبادل في الأسواق. أمر غلمانه بدسها في رحالهم – والرحل متاع المسافر – لعلهم يعرفون حين يرجعون أنها بضاعتهم التي جاءوا بها.
المشهد الثالث:
ندع يوسف في مصر . لنشهد يعقوب وبنيه في أرض كنعان. رجع الأخوة إلى أبيهم.. وقبل أن ينزلوا أحمال الجمال ويفكوا متاعهم، دخلوا على أبيهم. قائلين له بعتاب: إن لم ترسل معنا أخانا الصغير في المرة القادمة فلن يعطينا عزيز مصر الطعام. وختموا كلامهم بوعد جديد ليعقوب عليه السلام (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
ندع يوسف في مصر . لنشهد يعقوب وبنيه في أرض كنعان. رجع الأخوة إلى أبيهم.. وقبل أن ينزلوا أحمال الجمال ويفكوا متاعهم، دخلوا على أبيهم. قائلين له بعتاب: إن لم ترسل معنا أخانا الصغير في المرة القادمة فلن يعطينا عزيز مصر الطعام. وختموا كلامهم بوعد جديد ليعقوب عليه السلام (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
ويبدوا أن هذا الوعد قد أثار كوامن يعقوب. فهو ذاته وعدهم له في يوسف! فإذا هو يجهز بما أثاره الوعد من شجونه:
قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) (يوسف)
وفتح الأبناء أوعيتهم ليخرجوا ما فيها من غلال.. فإذا هم يجدون فيها بضاعتهم التي ذهبوا يشترون بها.. مردودة إليهم مع الغلال والطعام.. ورد الثمن يشير إلى عدم الرغبة في البيع، أو هو إنذار بذلك.. وربما كان إحراجا لهم ليعودوا لسداد الثمن مرة أخرى.
وأسرع الأبناء إلى أبيهم (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي) ..لم نكذب عليك.. لقد رد إلينا الثمن الذي ذهبنا نشتري به. هذا معناه أنهم لن يبيعوا لنا إلا إذا ذهب أخونا معنا.
واستمر حوارهم مع الأب.. أفهموه أن حبه لابنه والتصاقه به يفسدان مصالحهم، ويؤثران على اقتصادهم، وهم يريدون أن يتزودوا أكثر، وسوف يحفظون أخاهم أشد الحفظ وأعظمه.. وانتهى الحوار باستسلام الأب لهم.. بشرط أن يعاهدوه على العودة بابنه، إلا إذا خرج الأمر من أيديهم وأحيط بهم.. نصحهم الأب ألا يدخلوا -وهم أحد عشر رجلا- من باب واحد من أبواب بمصر.. كي لا يستلفتوا انتباه أحد.. وربما خشي عليهم أبوهم شيئا كالسرقة أو الحسد.. لا يقول لنا السياق القرآني ماذا كان الأب يخشى، ولو كان الكشف عن السبب مهما لقيل.
المشهد الرابع:
عاد إخوة يوسف الأحد عشر هذه المرة.
وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (69) (يوسف)
يقفز السياق قفزا إلى مشهد يوسف وهو يحتضن أخاه ويكشف له وحده سر قرابته، ولا ريب أن هذا لم يحدث فور دخول الإخوة على يوسف، وإلا لانكشفت لهم قرابة يوسف، إنما وقع هذا في خفاء وتلطف، فلم يشعر إخوته، غير أن السياق المعجز يقفز إلى أول خاطر ساور يوسف عند دخولهم عليه ورؤيته لأخيه.. وهكذا يجعله القرآن أول عمل، لأنه أول خاطر، وهذه من دقائق التعبير في هذا الكتاب العظيم.
يطوي السياق كذلك فترة الضيافة، وما دار فيها بين يوسف وإخوته، ويعرض مشهد الرحيل الأخير.. ها هو ذا يوسف يدبر شيئا لإخوته.. يريد أن يحتفظ بأخيه الصغير معه.
يعلم أن احتفاظه بأخيه سيثير أحزان أبيه، وربما حركت الأحزان الجديدة أحزانه القديمة، وربما ذكره هذا الحادث بفقد يوسف.. يعلم يوسف هذا كله.. وها هو ذا يرى أخاه.. وليس هناك دافع قاهر لاحتفاظه به، لماذا يفعل ما فعل ويحتفظ بأخيه هكذا!؟
يكشف السياق عن السر في ذلك.. إن يوسف يتصرف بوحي من الله.. يريد الله تعالى أن يصل بابتلائه ليعقوب إلى الذروة.. حتى إذا جاوز به منطقة الألم البشري المحتمل وغير المحتمل، ورآه صابرا رد عليه ابنيه معا، ورد إليه بصره.
أمر يوسف -عليه السلام- رجاله أن يخفوا كأس الملك الذهبية في متاع أخيه خلسة.. وكانت الكأس تستخدم كمكيال للغلال.. وكانت لها قيمتها كمعيار في الوزن إلى جوار قيمتها كذهب خالص. أخفى الكأس في متاع أخيه.. وتهيأ إخوة يوسف للرحيل، ومعهم أخوهم.. ثم أغلقت أبواب العاصمة.. (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ)..!!
كانت صرخة الجند تعني وقوف القوافل جميعا.. وانطلق الاتهام فوق رؤوس الجميع كقضاء خفي غامض.. أقبل الناس، وأقبل معهم إخوة يوسف..( مَّاذَا تَفْقِدُونَ)؟
هكذا تسائل إخوة يوسف.. قال الجنود: (نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ).. ضاعت كأسه الذهبية.. ولمن يجيء بها مكافأة.. سنعطيه حمل بعير من الغلال.
قال إخوة يوسف ببراءة: لم نأت لنفسد في الأرض ونسرق! قال الحراس (وكان يوسف قد وجههم لما يقولونه): أي جزاء تحبون توقيعه على السارق؟
قال إخوة يوسف: في شريعتنا نعتبر من سرق عبدا لمن سرقه.
قال الحارس: سنطبق عليكم قانونكم الخاص.. لن نطبق عليكم القانون المصري الذي يقضي بسجن السارق.
كانت هذه الإجابة كيدا وتدبيرا من الله تعالى، ألهم يوسف أن يحدث بها ضباطه.. ولولا هذا التدبير الإلهي لامتنع على يوسف أن يأخذ أخاه.. فقد كان دين الملك أو قانونه لا يقضي باسترقاق من سرق. وبدأ التفتيش.
كان هذا الحوار على منظر ومسمع من يوسف، فأمر جنوده بالبدء بتفتيش رحال أخوته أولا قبل تفتيش رحل أخيه الصغير. كي لا يثير شبهة في نتيجة التفتيش.
اطمأن إخوة يوسف إلى براءتهم من السرقة وتنفسوا الصعداء، فلم يبقى إلا أخوهم الصغير. وتم استخراج الكأس من رحله. فأمر يوسف بأخذ أخيه عبدا، قانونهم الذي طبقه القضاء على الحادث.
أعقب ذلك مشهد عنيف المشاعر.. إن إحساس الإخوة براحة الإنقاذ والنجاة من التهمة، جعلهم يستديرون باللوم على شقيق يوسف (قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ) إنهم يتنصلون من تهمة السرقة.. ويلقونها على هذا الفرع من أبناء يعقوب.
سمع يوسف بأذنيه اتهامهم له، وأحس بحزن عميق.. كتم يوسف أحزانه في نفسه ولم يظهر مشاعره.. قال بينه وبين نفسه(أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ). لم يكن هذا سبابا لهم، بقدر ما كان تقريرا حكيما لقاعدة من قواعد الأمانة. أراد أن يقول بينه وبين نفسه: إنكم بهذا القذف شر مكانا عند الله من المقذوف، لأنكم تقذفون بريئين بتهمة السرقة.. والله أعلم بحقيقة ما تقولون.
سقط الصمت بعد تعليق الإخوة الأخير.. ثم انمحى إحساسهم بالنجاة، وتذكروا يعقوب.. لقد أخذ عليهم عهدا غليظا، ألا يفرطوا في ابنه. وبدءوا استرحام يوسف: يوسف أيها العزيز.. يوسف أيها الملك.. إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ
قال يوسف بهدوء: كيف تريدون أن نترك من وجدنا كأس الملك عنده.. ونأخذ بدلا منه أنسانا آخر..؟ هذا ظلم.. ونحن لا نظلم.
كانت هي الكلمة الأخيرة في الموقف. وعرفوا أن لا جدوى بعدها من الرجاء، فانسحبوا يفكرون في موقفهم المحرج أمام أبيهم حين يرجعون.
المشهد الخامس:
عقدوا مجلسا يتشاورون فيه. لكن السياق القرآني لا يذكر أقوالهم جميعا. إنما يثبت آخرها الذي يكشف عما انتهوا إليه. ذكر القرآن قول كبيرهم إذ ذكّرهم بالموثق المأخوذ عليهم، كما ذكرهم بتفريطهم في يوسف من قبل. ثم يبين قراره الجازم: ألا يبرح مصر، وألا يواجه أباه، إلا أن يأذن أبوه، أو يقضي الله له بحكم، فيخض له وينصاع. وطلب منهم أن يرجعوا إلى أبيهم فيخبروه صراحة بأن ابنه سرق، فَاُخِذَ بما سرق. ذلك ما علموه شهدوا به. أما إن كان بريئا، وكا هناك أمر وراء هذا الظاهر لا يعلمونه، فهم غير موكلين بالغيب. وإن كان في شك من قولهم فليسأل أهل القرية التي كانوا فيها -أي أهل مصر- وليسأل القافلة التي كانوا فيها، فهم لم يكونوا وحدهم، فالقوافل الكثيرة كانت ترد مصر لتأخذ الطعام.
المشهد السادس:
فعل الأبناء ما أمرهم به أخوهم الكبير، وحكوا ليعقوب -عليه السلام- ما حدث. استمع يعقوب إليهم وقال بحزن صابر، وعين دامعة: (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
(بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) كلمته ذاتها يوم فقد يوسف.. لكنه في هذه المرة يضيف إليها الأمل أن يرد الله عليه يوسف وأخاه فيرد ابنه الآخر المتخلف هناك.
هذا الشعاع من أين جاء إلى قلب هذا الرجل الشيخ؟ إنه الرجاء في الله، والاتصال الوثيق به، والشعور بوجوده ورحمته. وهو مؤمن بأن الله يعلم حاله، ويعلم ما وراء هذه الأحداث والامتحانات. ويأتي بكل أمر في وقته المناسب، عندما تتحق حكمته في ترتيب الأسباب والنتائج.
(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) وهي صورة مؤثرة للوالد المفجوع. يحس أنه منفرد بهمه، وحيد بمصابه، لا تشاركه هذه القلوب التي حوله ولا تجاوبه، فينفرد في معزل، يندب فجيعته في ولده الحبيب يوسف. الذي لم ينسه، ولم تهوّن من مصيبته السنون، والذي تذكره به نكبته الجديدة في أخيه الأصغر فتغلبه على صبره الجميل. أسلمه البكاء الطويل إلى فقد بصره.. أو ما يشبه فقد بصره. فصارت أمام عينيه غشاوة بسبب البكاء لا يمكن أن يرى بسببها. والكظيم هو الحزين الذي لا يظهر حزنه. ولم يكن يعقوب -عليه السلام- يبكي أمام أحد.. كان بكاؤه شكوى إلى الله لا يعلمها إلا الله.
ثم لاحظ أبناؤه أنه لم يعد يبصر ورجحوا أنه يبكي على يوسف، وهاجموه في مشاعره الإنسانية كأب.. حذروه بأنه سيهلك نفسه:
قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (86) (يوسف)
ردهم جواب يعقوب إلى حقيقة بكائه.. إنه يشكو همه إلى الله.. ويعلم من الله ما لا يعلمون.. فليتركوه في بكائه وليصرفوا همهم لشيء أجدى عليهم (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) إنه يكشف لهم في عمق أحزانه عن أمله في روح الله.. إنه يشعر بأن يوسف لم يمت كما أنبئوه.. لم يزل حيا، فليذهب الإخوة بحثا عنه.. وليكن دليلهم في البحث، هذا الأمل العميق في الله.
عاد إخوة يوسف الأحد عشر هذه المرة.
وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (69) (يوسف)
يقفز السياق قفزا إلى مشهد يوسف وهو يحتضن أخاه ويكشف له وحده سر قرابته، ولا ريب أن هذا لم يحدث فور دخول الإخوة على يوسف، وإلا لانكشفت لهم قرابة يوسف، إنما وقع هذا في خفاء وتلطف، فلم يشعر إخوته، غير أن السياق المعجز يقفز إلى أول خاطر ساور يوسف عند دخولهم عليه ورؤيته لأخيه.. وهكذا يجعله القرآن أول عمل، لأنه أول خاطر، وهذه من دقائق التعبير في هذا الكتاب العظيم.
يطوي السياق كذلك فترة الضيافة، وما دار فيها بين يوسف وإخوته، ويعرض مشهد الرحيل الأخير.. ها هو ذا يوسف يدبر شيئا لإخوته.. يريد أن يحتفظ بأخيه الصغير معه.
يعلم أن احتفاظه بأخيه سيثير أحزان أبيه، وربما حركت الأحزان الجديدة أحزانه القديمة، وربما ذكره هذا الحادث بفقد يوسف.. يعلم يوسف هذا كله.. وها هو ذا يرى أخاه.. وليس هناك دافع قاهر لاحتفاظه به، لماذا يفعل ما فعل ويحتفظ بأخيه هكذا!؟
يكشف السياق عن السر في ذلك.. إن يوسف يتصرف بوحي من الله.. يريد الله تعالى أن يصل بابتلائه ليعقوب إلى الذروة.. حتى إذا جاوز به منطقة الألم البشري المحتمل وغير المحتمل، ورآه صابرا رد عليه ابنيه معا، ورد إليه بصره.
أمر يوسف -عليه السلام- رجاله أن يخفوا كأس الملك الذهبية في متاع أخيه خلسة.. وكانت الكأس تستخدم كمكيال للغلال.. وكانت لها قيمتها كمعيار في الوزن إلى جوار قيمتها كذهب خالص. أخفى الكأس في متاع أخيه.. وتهيأ إخوة يوسف للرحيل، ومعهم أخوهم.. ثم أغلقت أبواب العاصمة.. (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ)..!!
كانت صرخة الجند تعني وقوف القوافل جميعا.. وانطلق الاتهام فوق رؤوس الجميع كقضاء خفي غامض.. أقبل الناس، وأقبل معهم إخوة يوسف..( مَّاذَا تَفْقِدُونَ)؟
هكذا تسائل إخوة يوسف.. قال الجنود: (نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ).. ضاعت كأسه الذهبية.. ولمن يجيء بها مكافأة.. سنعطيه حمل بعير من الغلال.
قال إخوة يوسف ببراءة: لم نأت لنفسد في الأرض ونسرق! قال الحراس (وكان يوسف قد وجههم لما يقولونه): أي جزاء تحبون توقيعه على السارق؟
قال إخوة يوسف: في شريعتنا نعتبر من سرق عبدا لمن سرقه.
قال الحارس: سنطبق عليكم قانونكم الخاص.. لن نطبق عليكم القانون المصري الذي يقضي بسجن السارق.
كانت هذه الإجابة كيدا وتدبيرا من الله تعالى، ألهم يوسف أن يحدث بها ضباطه.. ولولا هذا التدبير الإلهي لامتنع على يوسف أن يأخذ أخاه.. فقد كان دين الملك أو قانونه لا يقضي باسترقاق من سرق. وبدأ التفتيش.
كان هذا الحوار على منظر ومسمع من يوسف، فأمر جنوده بالبدء بتفتيش رحال أخوته أولا قبل تفتيش رحل أخيه الصغير. كي لا يثير شبهة في نتيجة التفتيش.
اطمأن إخوة يوسف إلى براءتهم من السرقة وتنفسوا الصعداء، فلم يبقى إلا أخوهم الصغير. وتم استخراج الكأس من رحله. فأمر يوسف بأخذ أخيه عبدا، قانونهم الذي طبقه القضاء على الحادث.
أعقب ذلك مشهد عنيف المشاعر.. إن إحساس الإخوة براحة الإنقاذ والنجاة من التهمة، جعلهم يستديرون باللوم على شقيق يوسف (قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ) إنهم يتنصلون من تهمة السرقة.. ويلقونها على هذا الفرع من أبناء يعقوب.
سمع يوسف بأذنيه اتهامهم له، وأحس بحزن عميق.. كتم يوسف أحزانه في نفسه ولم يظهر مشاعره.. قال بينه وبين نفسه(أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ). لم يكن هذا سبابا لهم، بقدر ما كان تقريرا حكيما لقاعدة من قواعد الأمانة. أراد أن يقول بينه وبين نفسه: إنكم بهذا القذف شر مكانا عند الله من المقذوف، لأنكم تقذفون بريئين بتهمة السرقة.. والله أعلم بحقيقة ما تقولون.
سقط الصمت بعد تعليق الإخوة الأخير.. ثم انمحى إحساسهم بالنجاة، وتذكروا يعقوب.. لقد أخذ عليهم عهدا غليظا، ألا يفرطوا في ابنه. وبدءوا استرحام يوسف: يوسف أيها العزيز.. يوسف أيها الملك.. إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ
قال يوسف بهدوء: كيف تريدون أن نترك من وجدنا كأس الملك عنده.. ونأخذ بدلا منه أنسانا آخر..؟ هذا ظلم.. ونحن لا نظلم.
كانت هي الكلمة الأخيرة في الموقف. وعرفوا أن لا جدوى بعدها من الرجاء، فانسحبوا يفكرون في موقفهم المحرج أمام أبيهم حين يرجعون.
المشهد الخامس:
عقدوا مجلسا يتشاورون فيه. لكن السياق القرآني لا يذكر أقوالهم جميعا. إنما يثبت آخرها الذي يكشف عما انتهوا إليه. ذكر القرآن قول كبيرهم إذ ذكّرهم بالموثق المأخوذ عليهم، كما ذكرهم بتفريطهم في يوسف من قبل. ثم يبين قراره الجازم: ألا يبرح مصر، وألا يواجه أباه، إلا أن يأذن أبوه، أو يقضي الله له بحكم، فيخض له وينصاع. وطلب منهم أن يرجعوا إلى أبيهم فيخبروه صراحة بأن ابنه سرق، فَاُخِذَ بما سرق. ذلك ما علموه شهدوا به. أما إن كان بريئا، وكا هناك أمر وراء هذا الظاهر لا يعلمونه، فهم غير موكلين بالغيب. وإن كان في شك من قولهم فليسأل أهل القرية التي كانوا فيها -أي أهل مصر- وليسأل القافلة التي كانوا فيها، فهم لم يكونوا وحدهم، فالقوافل الكثيرة كانت ترد مصر لتأخذ الطعام.
المشهد السادس:
فعل الأبناء ما أمرهم به أخوهم الكبير، وحكوا ليعقوب -عليه السلام- ما حدث. استمع يعقوب إليهم وقال بحزن صابر، وعين دامعة: (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
(بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) كلمته ذاتها يوم فقد يوسف.. لكنه في هذه المرة يضيف إليها الأمل أن يرد الله عليه يوسف وأخاه فيرد ابنه الآخر المتخلف هناك.
هذا الشعاع من أين جاء إلى قلب هذا الرجل الشيخ؟ إنه الرجاء في الله، والاتصال الوثيق به، والشعور بوجوده ورحمته. وهو مؤمن بأن الله يعلم حاله، ويعلم ما وراء هذه الأحداث والامتحانات. ويأتي بكل أمر في وقته المناسب، عندما تتحق حكمته في ترتيب الأسباب والنتائج.
(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) وهي صورة مؤثرة للوالد المفجوع. يحس أنه منفرد بهمه، وحيد بمصابه، لا تشاركه هذه القلوب التي حوله ولا تجاوبه، فينفرد في معزل، يندب فجيعته في ولده الحبيب يوسف. الذي لم ينسه، ولم تهوّن من مصيبته السنون، والذي تذكره به نكبته الجديدة في أخيه الأصغر فتغلبه على صبره الجميل. أسلمه البكاء الطويل إلى فقد بصره.. أو ما يشبه فقد بصره. فصارت أمام عينيه غشاوة بسبب البكاء لا يمكن أن يرى بسببها. والكظيم هو الحزين الذي لا يظهر حزنه. ولم يكن يعقوب -عليه السلام- يبكي أمام أحد.. كان بكاؤه شكوى إلى الله لا يعلمها إلا الله.
ثم لاحظ أبناؤه أنه لم يعد يبصر ورجحوا أنه يبكي على يوسف، وهاجموه في مشاعره الإنسانية كأب.. حذروه بأنه سيهلك نفسه:
قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (86) (يوسف)
ردهم جواب يعقوب إلى حقيقة بكائه.. إنه يشكو همه إلى الله.. ويعلم من الله ما لا يعلمون.. فليتركوه في بكائه وليصرفوا همهم لشيء أجدى عليهم (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) إنه يكشف لهم في عمق أحزانه عن أمله في روح الله.. إنه يشعر بأن يوسف لم يمت كما أنبئوه.. لم يزل حيا، فليذهب الإخوة بحثا عنه.. وليكن دليلهم في البحث، هذا الأمل العميق في الله.
المشهد السابع:
تحركت القافلة في طريقها إلى مصر.. إخوة يوسف في طريقهم إلى العزيز.. تدهور حالهم الاقتصادي وحالهم النفسي.. إن فقرهم وحزن أبيهم ومحاصرة المتاعب لهم، قد هدت قواهم تماما.. ها هم أولاء يدخلون على يوسف.. معهم بضاعة رديئة.. جاءوا بثمن لا يتيح لهم شراء شيء ذي بال.. وعندما دخلوا على يوسف – عليه السلام- رجوه أن يتصدق عليهم (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) انتهى الأمر بهم إلى التسول.. إنهم يسألونه أن يتصدق عليهم.. ويستميلون قلبه، بتذكيره أن الله يجزي المتصدقين.
تحركت القافلة في طريقها إلى مصر.. إخوة يوسف في طريقهم إلى العزيز.. تدهور حالهم الاقتصادي وحالهم النفسي.. إن فقرهم وحزن أبيهم ومحاصرة المتاعب لهم، قد هدت قواهم تماما.. ها هم أولاء يدخلون على يوسف.. معهم بضاعة رديئة.. جاءوا بثمن لا يتيح لهم شراء شيء ذي بال.. وعندما دخلوا على يوسف – عليه السلام- رجوه أن يتصدق عليهم (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) انتهى الأمر بهم إلى التسول.. إنهم يسألونه أن يتصدق عليهم.. ويستميلون قلبه، بتذكيره أن الله يجزي المتصدقين.
عندئذ.. وسط هوانهم وانحدار حالهم.. حدثهم يوسف بلغتهم، بغير واسطة ولا مترجم:
قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) (يوسف)
يكاد الحوار يتحرك بأدق تعبير عن مشاعرهم الداخلية.. فاجأهم عزيز مصر بسؤالهم عما فعلوه بيوسف.. كان يتحدث بلغتهم فأدركوا أنه يوسف.. وراح الحوار يمضي فيكشف لهم خطيئتهم معه.. لقد كادوا له وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ
مرت السنوات، وذهب كيدهم له.. ونفذ تدبير الله المحكم الذي يقع بأعجب الأسباب.. كان إلقاؤه في البئر هو بداية صعوده إلى السلطة والحكم.. وكان إبعادهم له عن أبيه سببا في زيادة حب يعقوب له. وها هو ذا يملك رقابهم وحياتهم، وهم يقفون في موقف استجداء عطفه.. إنهم يختمون حوارهم معه بقولهم (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ) إن روح الكلمات واعترافهم بالخطأ يشيان بخوف مبهم غامض يجتاح نفوسهم.. ولعلهم فكروا في انتقامه منهم وارتعدت فرائصهم.. ولعل يوسف أحس ذلك منهم فطمأنهم بقوله (قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) لا مؤاخذة، ولا لوم، انتهى الأمر من نفسي وذابت جذوره.. لم يقل لهم إنني أسامحكم أو أغفر لكم، إنما دعا الله أن يغفر لهم، وهذا يتضمن أنه عفا عنهم وتجاوز عفوه، ومضى بعد ذلك خطوات.. دعا الله أن يغفر لهم.. وهو نبي ودعوته مستجابة.. وذلك تسامح نراه آية الآيات في التسامح.
ها هو ذا يوسف ينهي حواره معهم بنقلة مفاجئة لأبيه.. يعلم أن أباه قد ابيضت عيناه من الحزن عليه.. يعلم أنه لم يعد يبصر.. لم يدر الحوار حول أبيه لكنه يعلم.. يحس قلبه.. خلع يوسف قميصه وأعطاه لهم (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ). وعادت القافلة إلى فلسطين.
المشهد الثامن:
ما أنت خرجت القافلة من مصر، حتى قال يعقوب -عليه السلام- لمن حوله في فلسطين: إني أشم رائحة يوسف، لولا أنكم تقولون في أنفسكم أنني شيخ خرِف لصدقتم ما أقول. فرد عليه من حوله ().
ما أنت خرجت القافلة من مصر، حتى قال يعقوب -عليه السلام- لمن حوله في فلسطين: إني أشم رائحة يوسف، لولا أنكم تقولون في أنفسكم أنني شيخ خرِف لصدقتم ما أقول. فرد عليه من حوله ().
لكن المفاجأة البعيدة تقع. وصلت القافلة، وألقى البشير قميض يوسف على وجه يعقوب -عليهما السلام- فارتدّ بصره. هنا يذكر يعقوب حقيقة ما يعلمه من ربه (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).
فاععترف الأخوة بخطئهم، وطلبوا من أباهم الاستغفار لهم، فهو نبي ودعاءه مستجاب. إلا أن يعقوب عليه السلام (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ونلمح هنا أن في قلب يعقوب شيئا من بنيه، وأنه لم يصف لهم بعد، وإن كان يعدهم باستغفار الله لهم بعد أن يصفو ويسكن ويستريح.
ها هو المشهد الأخير في قصة يوسف:
بدأت قصته برؤيا.. وها هو ذا الختام، تأويل رؤياه:
بدأت قصته برؤيا.. وها هو ذا الختام، تأويل رؤياه:
فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) (يوسف)
تأمل الآن مشاعره ورؤياه تتحقق.. إنه يدعو ربه (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ).. هي دعوة واحدة.. تَوَفَّنِي مُسْلِمًا
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)